Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الثانى

اقترب هيثم ينصت لهمسه العالي بحاجب معقود وفاه مفتوح يسأله باندهاش يليه ضرب صدره بشهقة: أنت بتكلم نفسك ؟! يا ضنايا يا بني. وجه اهتمامه لصديقه المتلهف للعودة لمنزله، ويردف يعرض فكرته: -مافيش حل إلا إني أحاول اتشعلق على المواسير دي. مرر صديقه عينيه بينه وبين ما ينظر إليه بصدمة جلية فاندفع يتهمه أنت أكيد اتجننت عايز تطلع على المواسير زي الحرامية ؟ نفرض حد لمحك ومسكك. أشعلت كلماته كرامته فاندفع في هجوم يخبره: إيه ! مالك؟. أنت نسيت إني ساكن في الهبابة دي ؟. وكمان مين اللي أمه داعية عليه وهيتعرض ل "آسر البغدادي "؟ أنت ناسي أنا أبقى مين؟ استمرا في جدالهما غير النافع لينتهي الأمر بتوجه "آسر" لمراقبة الأجواء مع المحاولة الأخيرة لفتح باب العمارة، فذلك المبنى لا يسكنه سواه وسوى تلك الجارة المزعجة التي لم تكف عن الصياح والغضب ليل نهار ليصل الأمر إلى حد الغناء بصوتها الجهوري المزعج، فهو الآن على يقين أنها من أغلقت باب المبنى من الداخل... خرجت سبة وقحة من بين أسنانه: -يا بنت **** ، فاكرة نفسك عايشة في العمارة لوحدك. ثم وجّه حديثه لذلك المراقب وهو يتراجع عن الباب يرفع عينه لأعلى: ما فيش غير الزفتة اللي ساكنة معايا اللي قافلة الباب كعادتها زي ما يكون الحرامي مش هيلاقي غيرها يسرقها. ظل يراقب نافذتها المفتوحة الظاهر منها ستائرها التي تجاور شرفته، بدأ يقيس المسافة الفاصلة بينهما فوجدها مسافة بسيطة يمكن بلياقته الجسدية أن يتجاوز هذه المحنة سريعًا. سيعتبر تلك المهمة، كتدريب كما كان معتادًا منذ سنين. التفت لصديقه وقد عزم على الأمر أن يتسلق إلى نافذتها ثم يمر منها إلى شرفته لتكون له نقطة ارتكاز. لن يأخذ الأمر وقتًا؛ ليحصل على الراحة بعدها، وينال عزلته المنشودة فأردف بإصرار: -مافيش حل إلا كده. حاول إثنائه عن تهوره خوفا من تبعات تصرفه الطائش: -"آسر" الموضوع مش عِند تعالى يا سيدي معايا بات في الشقة التانية لو مش عايز تبات عند أمك، وبكرة نشوف موضوع المفتاح اللي ضاع، أنا خايف تودي نفسك في داهية، أنت حكتلي أن جارتك دي مجنونة، مش بعيد تبلغ عنك وتتهمك باغتصابها. هز رأسه بعدم اهتمام، ودافع عن فكرته المجنونة: -هي زمانها مخمودة، النور مطفي. بعد لحظات كان قد بدأ في تسلق تلك الأسطوانات البيضاء المكشوفة للغاز ببطء مع مراعاة حالة ساقه المصابه، وضع ساقه اليمنى بحرص ليتبادل معها اليسرى صعودًا لأعلى. شعر بالارهاق والتعب الشديد وكاد أن يتراجع عما عزم عليه لولا حاجته الملحة للعزلة والاسترخاء، سمع صوت "هيثم " القلق ينبهه بصوت منخفض حتى لا يلفت الانتباه: خلي بالك لتقع. هز رأسه بالإيجاب ليطمئنه، واستمر في الصعود متشبثا بقبضته على تلك الأنبوب الرفيع حتى وصل أخيرا لمستوى نافذتها ليستقر بقدمه اليسرى فوق إطار النافذة يتبعها اليمنى حتى استقر واقفًا فوق الإطار متشبسا بكفيه بالإطار العلوى لها، تحرك يزحف بباطن قدمه فوق الإطار، وقد بدأ وجهه في التعرق الشديد بجانب جسده المتصلب مع خطواته البطيئة، إذ فجأة يصدح صوت رنين هاتفه المتواصل بنغمة موسيقى "الجاز "، توتر للحظة قبل أن يسرع في تحرير يده اليمنى لتناول هاتفه من جيب سرواله الخلفي، ينتشله ليكتم صوته قبل أن يلفت الأنظار، ويصل صوته لجارته المزعجة، ويكون سببًا في إيقاظها والإمساك به حتما بعدها. نجح في إغلاق صوته من الزر الجانبي، ولكن ما لم يحسب حسابه إخفاقه في السيطرة عليه، ويخضع لمحاولة مستميتة للإمساك به قبل سقوطه متهشما لا محالة، كنتيجة بديهية، ولكنه وقف مصدومًا يزداد تعرقه وتوتره عند مشاهدته لهاتفه يطير في الهواء لا ليستقر أرضًا بالطريق العام بل ليستقر داخل شقة جارته المزعجة، خرجت سبة غاضبة من غبائه:كيف سيعيد هاتفه مرة أخرى قبل أن يصدح رنينه العالي؟، وحينها ستكشف أمره لا محالة. نظرة متوترة منه لصديقه المنتظر بالأسفل حتى يطمئنه أخبرته أنه شاهد ما حدث، رفع كفه بالهواء يطمئنه أنه سيتصرف في ذلك المأذق. لم يجد حلاً إلا أن يهبط للداخل ينتشل هاتفه بسرعة قبل أن تلاحظ وجوده سريعًا، أشار لصديقه الذاهل الذي سعى لإثنائه عن ذلك التهور والجنون.. ماذا سيحدث إن أمسكت به داخل شقتها؟ فراح هيثم" يحرك ذراعيه في الهواء يهمس له بصوت عالي نسبيا رافضا تهوره، حتى أفلت من يده زمام الأمور عندما شاهد صديقه داخل شقة المجنونة. أخفض ساقيه داخل النافذة بعد أن تحرر من ستائرها المتطايرة نزولا لداخل حجرتها التي بدت له كحجرة معيشة من أريكة تحتل موقع أسفل النافذة على شكل (L) أمامها شاشة تلفاز متوسطة الحجم، اطمئن للحظات لسكون المكان وانغلاق الأضواء، مما أكد له غفلتها فشجع نفسه للانحناء حتى يلتقطه بأنامله سريعًا ويفر قبل الإمساك به متلبسا، في لحظة كاد أن يلتفت للنافذة مرة أخرى استعدادا للخروج كما ولج، ضربت أذنه خطوات خفها من الممر الخارجي للحجرة، وهي تتحدث بصوت عالي، ظل الصوت يقترب يقترب حتى لمح ظلها أمام باب الحجرة مما أنبأه بولوجها لتلك الحجرة بعينها، فلم يشعر بنفسه إلا وهو ينخفض سريعًا أرضًا يأخذ من أريكتها ساترا يتخفى خلفها مؤقتا، شعر بها تدخل الحجرة، وتأخذ أريكتها تتحصن بها كسكنا لها، أما هو وضع كف يده فوق فمه يحاول كتم أنفاسه اللاهثة حتى لا يصلها تنفسه الخشن السريع... ما هذه الورطة التي أوقع حاله بها ؟ كيف سيتخلص من تلك الورطة ؟. لوتحركت والتفتت خلف أريكتها لاكتشفت وجوده حتمًا، وعندك تلك الخاطرة تصلب جسده رعبًا أن تكتشف أمره و وجوده. فأرغم حاله على الثبات وإراحة ظهره خلفه، وصل إليه ثرثرتها المملة الطويلة، المثيرة الأعصابه مع الطرف الآخر بهاتفها: أنا خلاص تعبت يا "تقى"، مش لاقية حد يقف جنبي وينصفني، أنا مش عارفة لو أنتي مش موجودة في حياتي كنت عملت إيه؟. صمتت للحظات تستمع لرد الجانب الآخر مع سماعه لصوت التلفاز الذي ساعد في إضاءة الحجرة أكثر لتردف مرة أخرى بتأثر: أنا مش عارفة أعمل إيه؟ بعد ما "حاتم" قدر يأثر على "عبدالله" كالعادة، وقدر ياخده في صفه ضدي. أما عنه فكان يستمع لحديثها، واستجدائها المستمر بوجه مقلوب يمني نفسه بأنها ستترك له مجال الحجرة ليعود هاربا من النافذة، وصل له صوتها في محاولة لكبح بكائها: أنا مش عايزة أرجع له تاني يا "تقى" أنا بخاف منه، أكيد عايز يرجعني مش عشان عايزني ولا عشان ابنه لا.. عشان مشروع القرية الجديد اللي داخل فيه مع "عبدالله" عايز يرجعني عشان يبقى له النصيب الأكبر، ويرميني في الشارع بعدها. زفر بصوت غير مسموع مما يسمعه يسأل نفسه: هل من الممكن أن تكون سبب عكوسات يومه غضب والدته عليه ؟، ليقع في تلك الورطة ويجبر على سماع تلك الثرثرة المقيتة المثيرة لاشمئزازه، ما بالها دائما تصرخ ؟. زوجها له الجنة حتما، إن صادف رؤيته سينصحه بهجرها ). أسند رأسه في حيرة من أمره وهو يدقق في نبرة صوتها ونشيج بكائها وهي تبث شكواها، لتهدأ نبرة صوتها ويظهر نعومته. سيعترف لنفسه أن صوتها ليس بمثل هذه البشاعة التي يمقتها بعد أن انخفضت نبرتها نسبيا، فهي تذكره بنبرة تناساها منذ سنين. بعد أن أنهت مكالمتها ظلت شاردة أمامها في فراغ حجرتها، وفراغ حياتها كما اعتادت دائما، عندما يحيطها الصمت تشرد في حياتها السابقة التي لم تتجرع منها إلا كل ألم ومرار، ست وعشرون عاما عمرها.. لم تذق فيهم معني السعادة والسلوان، فهاجمتها خاطرة ملحة هل سبب مرارها أنها ذاقت معنى اليتم وهي بعمر العشر سنوات؟، لتنتقل رعايتها وأموالها تحت يد أخيها "عبدالله" ليكون واصي عليها ؟ حتى صارت تحفة نفيسة من ضمن الموصى به، متحكم في عدد أنفاسها إن تنفست، أم عندما حاولت رسم طريقها بنفسها، واختارت من خفق له قلبها من أول لقاء. حينها حاربت بضراوة لتعلم بعدها أنها مجرد دمية تتلقفها أيديهم ليخططوا لها باقي طريقها المرسوم بأيديهم.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514