ظلّت واقفة أمام الكوخ برهبة توبّخ نفسها أنها جاءت وما إن التفتت لتعود أدراجها حتى وجدته يفتح الباب قائلا: "ألن تدخلي؟" دخلت برهبة وهي تشعر أنها أخطأت كليا عندما استجابت لضغطه وداخلها يخشى أن يجرحها مرة أخرى.. هي تريد أن تنساه فما بالها تقترب منه أكثر؟! جلست بالمكان الذي أشار له لينتقل هو للمطبخ وينقل الطعام على الطاولة المزيّنة بشكل أنيق جعلتها تتعجّب أن فعل هو كل هذا! قادها للطاولة وجلسا لتستنشق رائحة الطعام الشهي ولدهشتها هو الطعام المفضّل لها! كيف عرف بما تفضّله من طعام؟! "تحبين المعكرونة وكرات اللحم مع الصوص الأحمر أليس كذلك؟" سألها ماكس مترقّبا ما ستقوله بقلق عندما رأى نظراتها للطعام فأومأت بعفوية وهي تقول: "أجل كثيرا" ثم سألته: "كيف عرفت ما أحبه؟" "ألا تذكرين أننا تناولنا الطعام كثيرا بصغرنا معا قبل انتقالكِ مع جدكِ؟" أجابها بابتسامة لطيفة فأومأت بصمت وشرعت بتناول الطعام بحرية وكأنها بمفردها ولدهشتها وجدت الطعام أكثر من لذيذ وهذا ساعدها على تناوله بكامل شهيتها وهي ترد على استفساراته بخصوص عملها وما تفعله بالجزيرة وحيدة بعيدة عن شقيقها الوحيد وأسرته، انتهى الطعام لتجده أعدّ القهوة وجلسا بجوار الكوخ بالحديقة الصغيرة التي تحيط به "أخبريني لماذا لم تتزوجي حتى الآن على الرغم من حبكِ الشديد للأطفال كما عرفت من أنتوني؟ وما الذي يجعلكِ تعتزلين العالم كله هنا؟" سألها ماكس بفضول لترمقه بصمت للحظات قبل أن تقول بهدوء: "لم أتزوج لأنني لم أجد من يجعلني أقتنع أن أعيش معه طوال حياتي, وأنا لا أتعزل العالم بل أحب الهدوء فهو يمكّنني من الكتابة بشكل أفضل..هنا أستمتع بحريتي دون انتقاد أو انتقاص من قدري, أفعل ما يحلو لي بالوقت الذي يحلو لي دون أي عوائق أو عواقب" "كل حياتكِ هنا لا تفعلين سوى الكتابة والسباحة! ألا يوجد شيء آخر يشغلكِ؟ ألا تشعرين بالملل من هذه الحياة مثلا؟" سألها ماكس مرة أخرى فابتسمت ساخرة: "مَن مثلي يفضّل هذه الحياة بل يعشقها ويستمتع بها ولكن مَن هم مثلك يجدونها مملة وغير مشوقة فحياتكَ مختلفة عن حياتي كاختلاف السماء عن الأرض" "هل تصدقيني لو أخبرتكِ أنني منذ جئت إلى هنا أشعر أنني أضعت حياتي هباءا؟ لم أشعر للحظة بالملل بل على العكس تماما شعرت أنه المكان الذي تمنّيت التواجد به طوال حياتي وكأنني كنت أعيش لأصل لهذه اللحظة فقط!" صمت قليلا ثم نظر لها بطريقة لم تستطع تفسيرها وهو يقول: "ربما لأن المكان يرتبط بكِ أنتِ, أو ربما لأنكِ موجودة هنا!" اشاحت بوجهها وعقلها يحاول تفسير ما قاله إلا أنها تجاهلت ما قاله وهي تقول: "إذا متى ستنتهي عطلتكَ؟" شعر أن الطريق إليها أطول مما ظنّ وبنفس الوقت صُدِمَ لتفكيره أنه يريد الوصول إليها! هل اعترف أخيرا أنه يريدها زوجة وحبيبة له؟! "هل تتوقين للتخلّص مني لهذا الحد؟!" راوغ بإجابته فابتسمت بمرح وهي تقول: "بالواقع أجل" رفع حاجبيه مهددا بمرح فابتسمت وهي تقول: "لن أكون هنا قريبا على كل حال" اختفت ابتسامته وهو يسألها بجدية: "وأين ستكوني؟" "بالمدينة, سأقضي العطلة مع أنتوني ثم سيكون لدي موعد هام" قالتها بهدوء وغموض ولا تعلم لماذا لم تخبره بكل شيء صراحة عن دار النشر، هل تتعمّد أن تثير غيرته؟ أم جزء منها يريده أن ينشغل بها وبمكانها بهذا الوقت! نهضت فجأة وهي تقول: "حسنا ماكس كانت سهرة ممتعة أشكرك على العشاء, ليلة سعيدة" استدارت مغادرة لتجده يسير معها إلى منزلها فشعرت بالارتباك.. هل يتعامل معها على أن هذا موعد؟! لا, هي لا تتواعد ثم لو فعلت لن يكون مع ماكس بكل تأكيد فهي لن تكون إحدى مغامراته العابرة كسواها. "لا داعي للسير معي ماكس أعرف طريقي جيدا" قالت بهدوء ظاهري ولكنه لم يتوقف بل أصرّ على مرافقتها وهو يقول: "أردت السير بعد العشاء على كل حال" تظاهرت باللامبالاة وهي تسير بجواره ليسألها فجأة: "أريد أن أقرأ لكِ ميلا" رمقته بدهشة قبل أن تقول ضاحكة: "لا أظن أن ما أكتبه سيروقكَ" "وما أدراكِ عمّا يروقني ميلا؟ لا أظنّكِ تعرفيني حقا" قالها بهدوء يشوبه بعض الحزن فظلّت ترنو إليه للحظات قبل أن تقول له: "ولا أظنّكَ حاولت أن تقترب مني قبلا لأعرفكَ حقا ماكس" همّ بالحديث لتقاطعه بمرح مصطنع وهي تقول: "اسم مدوّنتي مملكة الخيال.. سأنتظر رأيكَ فيما أكتبه ماكس" "سأخبركِ به بكل تأكيد" قالها بجدية فابتسمت له بلطف ثم حيّته وهي تغادر فأمسك ذراعها وهو يهمس: "ألن تحيّيني ميلا؟" "لقد فعلت" همست وقلبها يرجف بين ضلوعها فهمس وهو يميل عليها: "هذه ليست تحية بل هذه" وعلى الرغم أنها خمّنت ما سيفعله إلا أنها لم تملك القدرة على منعه أو الابتعاد عنه بأي شكل من الأشكال بل استسلمت وهي تَعِد نفسها أنها ستكون المرة الأولى والأخيرة التي تفعلها.