تمر الأيام بعد طلاق غادة من خالد، انعزلت غادة بعيدًا عن الناس وحبست نفسها في سجن وحدتها، أصبحت كالوردة الذابلة التي فقدت رونقها، كانت لا تأكل ولا تشرب إلى أن أصبحت هزيلة ووجهها باهت، أحست بمدى اشتياقها لخالد، فقد اشتاقت لصوته وحنانه معها، اشتاقت لقربه منها ولحضنه الذى طالما كان أمانها، فقررت غادة أن تعاقب نفسها بالانعزال عن العالم في بيت أمها، بالرغم من أن خالد كتب لها شقتها بإسمها إكرامًا لها بعد الطلاق، فكان كريمًا معها بالرغم من تطليقه لها، مما زاد من ندمها وفي يوم كانت غادة تجلس في غرفتها شاردة كعادتها، فدخلت عليها أمها في أسى على حالها أم غادة: وبعد هالك يا بنتي، هتفضلي كده لحد امتى، شوفي شكلك يا غادة بقى عامل ازاي غادة: عايزاني أعمل إيه يعني يا ماما؟ أم غادة: تفوقي لنفسك يا بنتي، واللي حصل ده مش نهاية الدنيا, بكرة ربنا يرزقك باللي أحسن منه غادة: أحسن منه! أم غادة: مالك يا غادة يا بنتي، ليه بتتكلمي كده؟ غادة: مفيش يا ماما، عايزة أسألك سؤال يا ماما أم غادة: قولي يا بنتي غادة: هو بابا سابنا ليه، وليه مسألش علينا طول السنين دي؟ تنهدت أم غادة في ألم قائلة: إيه يا غادة اللي فكرك بالموضوع ده دلوقتي؟ غادة: أنا عمري ما نسيته يا ماما عشان أفتكره؟ دا جزء مني، وكبر جوايا أم غادة: اسمعي يا غادة، يمكن أول مرة أتكلم معاكي في الموضوع ده، أبوكي كان ابن عمتي، وانا كنت يتيمة اتربيت عند عمتي، وكانت بتعتبرني بنتها، لحد ما كبرت وبقيت عروسة، عمتي حست إنها قربت تموت لما زاد عليها التعب، خافت عليا أتبهدل بعد موتها، فغصبت على أبوكِ يتجوزني غادة: غصبت عليه؟ أم غادة: أيواهيا بنتي، ساعتها كان أبوكِ بيحب بنت جيرانهم، بس مقدرش يقول لأمه لا، واتجوزني، حاول يحبني وينسى حبيبته الأولى، بس معرفش، كان دايمًا شايفني أخته اللي اتربت معاه، مقدرناش نكمل مع بعض، واتفقنا على الطلاق، وبعدها راح اتجوز جارته اللي كان بيحبها وسافر بيها في السعودية، ومن ساعتها معرفش عنه حاجة غادة: برضه اللي قولتيه ميدلوش الحق إنه ميسألش عليا أم غادة: الدنيا تلاهي يا غادة يا بنتي، وأبوكِ كان بيسأل عليكِ كل فترة، بس تلاقي الدنيا شاغلاه غادة: الدنيا شغلاه، ولا زيه زي بقيت الرجالة مش بيفكروا غير في نفسهم أم غادة: لا يا غادة، مش كل الرجالة وحشة يا بنتي، وزى ما في ناس وحشة في ناس كتير حلوة، عندك جوز خالتك فوزية الله يرحمه، كان شايلها فوق راسه، ومبيطيقش عليها الهوا، ومش هو بس رجالة كتير تذكرت غادة حديث خالد عن والده ومعاملته الكريمة لوالدته أكملت أم غادة حديثها قائلة: صوابعك مش زي بعضها يا غادة يا بنتي، ومتاخديش حد بذنب حد غادة بعد تفكير: عندك حق يا ماما أم غادة: يوووه، نستيني كنت جاية أقولك إيه، أنا هروح لخالتك فوزية بكرة أتطمن عليها عشان تعبانة شوبة غادة: مالها خالتي؟ ألف سلامة عليها، أنا هاجى معاكِ يا ماما وفى منزل فوزية: تجلس فوزية راقدة على السرير ويبدو عليها التعب غادة: ألف سلامة عليكِ يا خالتو فوزية : إن شاء الله تسلمي يا غادة يا بنتي، والله يا بنتي قلبي وجعني عليكِ وعلى اللي حصلك غادة: ده نصيب يا خالتي أم غادة: وإيه اللي حصلك ده من إيه؟ فوزية: مفيش يا أختي ضغطي علي عليا ومحستش بنفسي غير وأنا في الأرض أم غادة: من إيه يا أختي؟ لازم حاجة ضايقتك فوزية: واللي مخلفة واحد زي أحمد ترتاح أبدًا؟ غادة: أحمد، ليه يا خالتي بتقولى كده؟ فوزية: مراته غضبانة يا بنتي وطالبة الطلاق، البيه يعرف عليها واحدة من إياهم وماشي معاها، والبت يا عيني مش ملاحقة، ومخليها عينها في وسط راسها غادة: أحمد يعمل كده؟ أم غادة: إيه اللي حصله؟ ده احنا كنا بنشهد بأخلاقه فوزية: كان في جرة وطلع لبرة يا أختي، أحمد اتغير ومبقاش يسمع حتى كلامي زي الأول، وعلطول واجع قلبي وقلب مراته، أنا دايمًا بدعيلها الله يعينها عليه خرجت غادة من منزل فوزية تفكر في حديثها، وكيف تغير أحمد إلى الأسوأ، نظرت غادة لحال زوجة أحمد، ورأت كيف كانت ستكون حياتها لو كانت اكتملت قصة حبها مع أحمد، علمت غادة أن الله قد أختار لها الصالح، وأنها حزنت على فراق أحمد كان هذا شر أبعده الله عنها ليبدلها بخير منه وهو خالد، الذى يختلف تمامًا في أخلاقه الطيبة ودينه عن أحمد، وتذكرت قول الآية الكريمة "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم" يااااااالله كم كنت كريم معي بالرغم من عصياني لك واعتراضي على حكمتك! كنت تبعد عني الشر وأنا أحزن لفراقه، إنها حكمتك يا الله، لو يعلم الإنسان الخير الذى يقدره الله له، لما اعترض على قضاء الله وحكمه أبداً وأثناء شرودها لم تنتبه لهذه السيارة التي كادت أن تصدمها، لولا انتباهها على آخر لحظة: لتقف السيارة ويخرج منها شخص متوجهًا إلى غادة للاطمئنان عليها الشخص: انتِ كويسة؟ حصلك حاجة؟ ترفع غادة عينها إلى الشخص لتتفاجأ أنه سيف حبيبها القديم غادة في صدمة: سيف! سيف: غادة! صدفة غريبة أوي، تعرفي أنا كنت حاسس إني هقابلك النهاردة، بس متوقعتش إن القدر هيجمعنا بالشكل ده! غادة: ازيك يا سيف سيف: ازيك انتِ يا غادة، أنا كويس، ممكن أتكلم معاكِ كلمتين يا غادة؟ غادة: كلمتين إيه يا سسيف: كلمتين أتمنيت أقابلك من زمان عشان أقولهوملك، أتفضلى معايا في الكافيه ده نشرب حاجة وأقولهم علطول، وأعدك مش هطول عليكِ غادة: ماشي يا سيف جلست غادة مع سيف ليخبرها سيف عما يريد سيف: متغيرتيش يا غادة، لسه زس ما انتِ غادة في سخرية: يااااااه يا سيف، دا أنا أتغيرت أوي، أكتر مما تتخيل، قول يا سيف الكلمتين خليني أمشي سيف: بعد ما سافرت يا غادة، حسيت إني كنت أناني أوي في رد فعلي معاكِ، أنا فكرت في مصلحتي وبس، ومفكرتش في إن اللي عملته معاكِ ممكن يسببلك جرح، حسيت بالذنب الرهيب خصوصًا إني فعلًا حبيتك بجد، وقررت ساعتها أنزل أصلح كل دا وأطلبك تكملي معايا غادة: يا سلااام! لا والله كتر خيرك، ومنزلتش ليه؟ ملقتش طيارة فاضية سيف: لا يا غادة، عملت حادثة، اليوم اللي كنت راجع فيه على مصر، وأنا في طريقي للمطار عملت حادثة بالعربية اللي كنت راكبها، ودخلت في غيبوبة أكتر من ست شهور لحد ما ربنا نجاني ورجعت للحياة بمعجزة غادة: يااااه، على العموم حمد لله على سلامتك، المهم إنك قومت بالسلامة سيف: الحادثة دي غيرت فيا كتير أوي يا غادة، شوفت الموت بعنيا، وعرفت إن حياة الإنسان ولا تسوى حاجة، وإنه ممكن في غمضة عين ميلاقيش نفسه، راجعت حساباتي وعرفت ليه ربنا مخلانيش أرجع مصر، وليه ربنا باعد بيننا، لأن علاقتنا من الأول كانت حرام غادة: حرام؟! سيف: أيوه يا غادة حرام، علاقة أي بنت بولد غير جوزها دي حرام ، كل علاقات الحب اللي انتِ شايفاها بين الولاد والبنات في الجامعات والمدارس معظمها مبيكملش عشان ربنا مبيباركش فيها، نظرة الولد لبنت غريبة حرام، لمس امرأة غريبة عنه حرام، علاقات الحب دي كلها حرام، الحب الحقيقي اللي بيتبني على التفاهم والاحترام، والولد لو بيحب البنت بجد هيحافظ عليها حتى من نفسه، هيغض بصره عنها، هيخاف يجرحها بنظرة أو بكلمة، غير كده ميبقاش حب يا غادة، وحتى لو حب ربنا مش هيبارك فيه لأنه متبناش على رضا ربنا، لكن الحب الحقيقي هو الحب الحلال يا غادة وهنا تذكرت غادة خالد، وشعرت بدقات قلبها تتسارع ، شعرت باشتياق شديد له، ولمَ لا، فهو حبها الحقيقي الذى طالما حاولت إنكاره، هو كما يقول سيف حبها الحلال ابتسمت غادة لسيف قائلة: أنا متشكرة أوي يا سيف، متعرفش كلامك ده ريحني ازاي سيف: المهم تكوني سامحتينى يا غادة غادة: عارف أنا سامحتك دلوقتي ليه؟ سيف: ليه؟ غادة: عشان رجعتلي غادة، عن إذنك