أنا : لكن لماذا؟، ماذا فعلت لك؟، هل آذيتك أو ماذا؟.. إني لا أتذكر شيئاً.. لا يمكنك قتلي دون مبرر.. هو : وجودك يشكل خطراً كبيراً. أنا : على ماذا؟ وعلى من؟ هو : علي أنا، و على مجموعة من الناس.. (هل من الممكن أن أكون مجرماً؟ أسرق أو أقتل؟ هل من الممكن أنني كنت سابقاً شخصاً سيئاً بحق الناس؟ لا اعلم حقاً ولا أستطيع التذكر) أنا : حسناً، هل سبق لي أن اذيتك، إني عاجز على تذكر ذلك حتى أنني لا أعلم من أنت.. اقتلني لا بأس لن أعارضك، لكن ما هو ذنبي، أنا مستعد لدفع الثمن.. هو : ذنبك هو أنك موجوداً وتتنفس. (أغلب مشاكلنا تنبع من خلال وجودنا في المكان الخطأ، أو رؤية شيء لم يكن ينبغي لنا رؤيته، أو سماع شيء لم يكن من حقنا سماعه) أنا : هل حاولتم قتلي قبل هذا؟ أنتم من رميتموني في البحر؟ هو : ذكي، وأخيراً تذكرت شيئاً، لكن نحن لسنا مسؤولون عن ذلك.. أنا : لم أتذكر، لكن شيء كهذا واضح جداً.. هو : لكن للأسف لم تمت.. كنت محظوظاً، ولكن الحظ لن يحالفك هذه المرة. (رن هاتفه وذهب بعيداً عني قليلاً ليتكلم) أنا : (أبحث عن وسيلة كي أفك بها يداي لأهرب.. لأن هذا المجنون سيقتلني عندما تنتهي المكالمة) كانت هناك زجاجة ملقاة على الأرض بجانبي، قريبة مني، جثوت على ركبتاي وأخذتها، قطعت الحبل الذي كانت مكبلة به يداي، ارتبكت ولم أكن أعرف ماذا سأفعل.. أخدت عصا خشبية كانت فوق الطاولة، أخطو للأمام بهدوء وثبات، كان يتكلم في الهاتف وهو مستدير للجهة الأخرى، وقفت وراءه، ولما إستدار، ضربته على رأسه، وقع على الأرض وفقد وعيه.. فتشت في جيوبه عن هاتفي، فوجدت مسدساً كان محشواً، أخذته لأني سأحتاجه لأجتاز قطاع الطرق الذين يتواجدون على الباب، وأخدت هاتفي كذلك.. أحاول الخروج والوصول للباب بخطوات حذرة أحمل المسدس، خرج أمامي أحدهم.. أنا : سأقتلك، ضع السلاح واخرج، سأعد لثلاثة.. (وضعه، واستدار ليخرج..) أنا : أسلحتكم، ضعوها جميعاً على الأرض أو سأقتلكم.. (وضعوها على الأرض، أخذتها كلها ووضعتها في سيارة التاكسي، وإنطلقت..) لم يكن بوسعهم فعل شيء، عندما أخذت أسلحتهم لم يستطيعوا فعل شيء.. جبناء دون أسلحتهم، لا يقدرون على قتل ذبابة واحدة.. جبناء يعتقدون أنني سأقبل بقتلهم لي، إني مستعد لقتلهم جميعاً كي أنجو أنا. إتصلت بالسيد باسكال.. باسكال : لماذا لم تأتي للبيت.. ماذا حدث لك؟ أنا : وقعت في ورطة، ساعدني.. أرجوك.. باسكال : حسناً، أين أنت؟ أنا : حالياً أحاول الخروج من الغابة في التاكسي، لا أعرف الطريق.. ساعدني. باسكال : إسم الغابة أو أي إشارة؟ أنا : لا أعلم، تشبه غابة مهجورة وقديمة. باسكال : حسناً واصل.. سوف نلتقي في الطريق.. كنت أقود السيارة بسرعة مجنونة، كنت أشعر أنني لن أخرج من هذه الغابة الملعونة. إلتقينا أنا والسيد باسكال في مدخل الغابة، نزلت وأخذت معي الأسلحة لسيارته.. أنا : أخرِجني من هنا أرجوك.. باسكال : حسناً. أوصلني للبيت كنت أرتعد من الخوف، صعدت للغرفة وكان برفقتي السيد باسكال.. جهز لي الحمام.. اِستحممت، خرجت.. وإستلقيت فوق السرير كي أرتاح.. باسكال : سأجلب لك شيئاً لتأكله.. أنا : لا أريد، شكراً.. باسكال : ما الذي حدث لك عندما خرجت من المشفى. أنا : خطفت، والذي خطفني هو ذلك الشخص الذي دائماً يتبعني، الشخص الذي رسمناه في اللوحة (أخبرته بكل شيء بتفاصيله). باسكال : هذا يعني أن حياتك معرضة للخطر. أنا : لا شك في ذلك، حتى أن حادثة البحر هم من كانوا وراءها، حاولوا قتلي ورميي في البحر. باسكال : علينا إبلاغ الشرطة. أنا : لا أريد إقحام الشرطة في هذا أرجوك.. باسكال : حسناً، في ماذا تفكر.. أنا : حالياً أفكر في النوم. باسكال : حسناً، لن أضغط عليك أكثر من هذا.. ليلة سعيدة. أنا : ليلة سعيدة. (لم أستطع النوم بسرعة، كنت خائفاً من أن يخطفني مرة أخرى، كنت خائفاً أن أراه في منامي مرة أخرى، أنظر للأسلحة التي كانت بجانبي وأتساءل، أنا فعلت كل هذا وهربت من فم الموت للمرة الثانية؟ حقاً؟) (الضعف، الخوف، والظلم، يغيرون الناس.. فيصبحوا أقوياء لا شيء يهزمهم، كل ما يأتي بعد ليالي الضعف والبكاء صباحات القوة والهناء) نمت بعد عناء طويل ومرت الليلة بسلام. نهضت صباحاً، نزلت للأسفل لأتناول الفطور. أنا : صباح الخير.. باسكال : صباح الخير.. الأم ماريا : صباح الخير. باسكال : هل أنت بخير، ارتحت قليلاً.. أنا : نعم بخير، شكراً. (إنتهينا من تناول الفطور) باسكال : أريد من وقتك خمس دقائق، فلنتحدث في غرفة اللوحات. أنا : حسناً، سأرافقك لهناك. (ذهبنا لغرفة اللوحات) باسكال : صمتك يخيفني، أعلم أن وراء صمتك ووراء هدوءك الكثير من الكلام والكثير من الأشياء، ولهذا سأسألك سؤالاً واحداً فقط، سؤال واحد أتمنى أن تجيبني عليه وبوضوح.. (الأشخاص الهادئين، الصامتين، خطيرين كثيراً، لا يمكنك توقع ماذا سيفعلون أو في ماذا يفكرون.. غير طبيعيين بتاتاً لأن الأشخاص الطبيعيين تكون لهم ردة فعل، أما الصامتين لهم البرود واللامبالاة) أنا : حسناً، أسمعك. باسكال : ما الذي تخطط له وماذا ستفعل؟ أنا : بخصوص قضية اختطافي؟ باسكال : نعم. أنا : لا أعرف حقاً.. لا زلت لا أعرف ماذا سأفعل. باسكال : لا أعتقد أنك ستصمت على هذا.. أنا : حالياً ليس أمامي خياراً، سأحبس نفسي هذا اليوم في المنزل. باسكال : أفضل حل، ستكون مراقباً.. لا تخاطر بحياتك. أنا : نعم.. سأهدأ لكي أتصرف بعقلانية، لن أعرض حياتي للخطر دون هدف أو نتيجة. باسكال : سيتحسن كل شيء في الوقت المناسب. أنا : شكراً، هل يمكنني قضاء اليوم في هذه الغرفة. باسكال : بالتأكيد (أعطاني مفتاح الغرفة) يوم طيب.. أنا : يوم طيب. (بقيت وحدي في الغرفة، هذه الغرفة ليست كباقي الغرف، فيها شيء غريب أشعر به دائماً.. روح، قلب، بقايا إنسان.. ليس فيها نوافذ لكنها تطل على أعماق المرء.. البيانو الموجود أمامي يناديني دائماً، أسمعه ويسمعني.. لا أحد غيره يسمع صرخاتي وبكائي، لا يحس بألمي شيء سواه.. اللوحات الكل ينظر إليها على أنها لوحات فقط، لكن أنا لا، أرى فيها نفسي دائماً، لا أحد يستطيع أن يرى ما أرى.. أراها حقيقية وجزء لا يتجزأ مني.. هل تظن أنني حبست نفسي اليوم في البيت لأنني خفت أن أخسر حياتي؟ هل تظن أنني ضعيف بما فيه الكفاية كي احبس نفسي بين أربعة جدران؟) الضعف بالنسبة لي هو عدم الحصول على السؤال الذي يطاردني دائماً.. الخوف بالنسبة لي هو أن أموت قبل أن أعرف من أنا ولماذا يريدون قتلي. لم ولن أصمت على شيئاً مثل هذا، سأخطط، سأخطط كثيراً.. وبدلاً من أن أقع في الفخ الذي سينصبونه لي، سيقعون هم في فخي، أعلم جيداً أنهم ينتظروني لأخرج.. لن أخرج حتى أريد أنا ذلك، والأهم من ذلك هو عدم تعريض الناس القريبة مني للخطر.. سألعب في ملعبهم وسأهزمهم.. بحثت في درج المكتب عن قلم وإذا بي أجد ألبوم صور، صور السيد باسكال مع ابنه الذي فقده.. صور تحمل صفحاتها الكثير من الذكريات والكثير من الحب والوفاء وضحكات الفرح.. هناك من يطرق في الباب.. أنا : تفضل.. المساعدة الاجتماعية : مرحباً، وصلتك رسالة. أنا : من أوصلها؟ المساعدة الاجتماعية : ساعي البريد. أنا : شكراً.. وضعتها جانباً وبقيت أتساءل.. من أين وكيف تصِلني هذه الرسائل؟ فتحتها، وكانت طويلة قليلاً هذه المرة.. مكتوب فيها كالآتي.. "حين تتغير ظروف الإنسان يصبح ملكاً" هل تظن نفسك ملكاً أو شخصاً جيداً ونبيلاً، ما فعلته البارحة عندما اختطِفت كان كافياً للجواب على السؤال الذي طرحته أمام كل العالم.. من أنا؟ أنت شيطان أخرس، وحش صامت وكاسر، مجرم أناني.. كل دقيقة تتنفًّس فيها أحس بالإختناق، أتعذب عندما أتذكر أنك على قيد الحياة.. لا يخيفني كونك مجرِم خطير بقدر ما يخيفني كونك مجرم بضمير.. وضميرك هو سبب موتك. "تتواجد دائماً بالمكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ" ما هذه الرسالة الملغمة، وما هذا الكلام المعقد الذي يلزمني استرجاع ذاكرتي لفهم المقصود منه.. ما فعلته البارحة كان شيئاً عادياً، أي شخص إذا خطِف سيدافع عن نفسه لينجو وأنا كذلك.. هذا لا يعني كوني سيئاً بتاتاً، حتى لو كانت الطريقة خطيرة وسيئة، حياتي كانت على المحك ولم يكن لدي حل اخر، هل تريد مني أن أشاهد طريقة وكيفية قتلي؟ الأشياء الأخرى المكتوبة في الرسالة فهمتها وفهمت مغزاها لكني لا أتذكر شيئاً، ولا أملك دليل يدل على أنني شخصاً سيئاً، كل ما أملكه هو قلب صافٍ ونية بيضاء.. لا أعتقد أنهم كانوا ملوثين قبل هذا.. العبارة التي بقيت عالقاً فيها ولم أفهمها هي "تتواجد دائماً بالمكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ" لم أفهم ما المقصود بها بالضبط، قنبلة موقوتة ستنفجر في وجهي يوما ما.. ذهبت للغرفة فكرت كثيرا فيما يجب علي فعله، لكني ضائع وأفكار كثيرة تدور في عقلي.. فكرت كذلك في أن أخرج من المنزل، لكنه لا يبدو لي شيئاً صائباً لأني سأقتل فوراً.. فهم ينتظرون غلطة واحدة مني. هناك شيء لا أعرفه، شيء أجهله هو ما يجعل هذه المشاكل تلاحقني دائماً.. لكنهم يعرفون كل شيء، كل شيء تماماً، سأستغلهم وسأستعملهم كوسيلة لمعرفة الحقيقة بأكملها.. كنت اريد شيئاً لكني لم أكن أعرف ماذا أريد.. لبثت صامتاً كعادتي، جالساً فوق كرسي مستدير ووجهي للحائط.. فُتِح الباب وصوت خطوات محسوبة آتية في اتجاهي، انقطعت أنفاسي، يد وضِعت على كتفي، استدرت بهدوء.. باسكال : لا زلت هنا؟ أنا : نعم، هذه الغرفة تجذبني كثيراً.. باسكال : يمكنك البقاء فيها وقتما تريد. أنا : قبل قليل كنت أبحث عن قلم لكني وجدت ألبوم صورك أنت وإبنك.. باسكال : كل ذكرياتنا موجودة هنا في هذا المكان. أنا : هل يمكنني أن أسألك شيئاً؟ باسكال : أعرف سؤالك قبل أن تطرحه. أنا : أعرف أنك ستغضب مني وستحزن، لكني أريد أن أعرف. باسكال : حسناً، ماذا؟ أنا : كيف مات إبنك؟ باسكال : قتل، قتلوه. أنا : ومن قتله؟ باسكال : من قتله لازال حراً طليقاً. أنا : هل تعرفه؟ يعني تعرف من قتل ابنك؟ باسكال : لو كنت أعرفه، لأرسلته لجهنم في حينه.. إبني كان فناناً تشكيلياً، فناناً بمعنى الكلمة، يحب الفن.. في يوم من الأيام طلب مني السماح له بالذهاب لمدينة إشبيلية كي يحضر سهرة فنية لأصدقائه، كان سعيداً ومتحمساً لذلك، فوافقت وتركته يذهب، ذهب ولم يعد.. قتلوه، قتلوا شاباً بعمر الزهور، وألقوا به في الغابة مثل الكلب، مجرمون لا يملكون ضميراً.. لا أعلم كيف يستطيعون وضع رؤوسهم على الوسادة.. (الضمير هو المحور، وهو أساس الإنسان، إذا مات ضمير الإنسان الحي فما حاجته للعيش.. إذا ماتت الإنسانية التي تكون في الإنسان وإذا مات ضميره، مات الإنسان.. وما الإنسان إلا ضمير وإنسانية إذا فقدهما فقد نفسه معهما) أنا : المجرمون لا يمتلكون ضميراً، ما إسم إبنك وكم كان عمره حينها؟ باسكال : إسمه جوزيف، وكان عمره حينها عشرون عاماً (على الرغم أنه كان مسؤولاً عن نفسه، إلا أنه كان يستشيرني دائماً) أنا : أعتذر، لا أعرف ماذا أقول لك.. باسكال : لا بأس.. لا بأس. أنا : ولم تتوصل للحقيقة بعد، يعني لازلت لا تعلم من قتل إبنك... باسكال : لا، لم نعرف الحقيقة بعد، كنت حريصاً على كشفها لكني فشلت في ذلك، لم أستطع العثور على الشاهد. أنا : الشاهد؟ أي شاهد؟ باسكال : كان من بين أصدقاء إبني شاباً من دولة المغرب، هو الوحيد من بين أصدقاء إبني الذي كان دائماً يحاول أن يقول لي شيئاً ما. أنا : القصة معقدة قليلاً.. باسكال : كثيراً، لا بأس.. ما الجديد في أمورك؟ أنا : كما ترى كل شيء أمام عيناك، لم أخرج هذا اليوم من المنزل.. باسكال : نعم، اليوم لم تخرج وحبست نفسك في المنزل.. لكن يوم الغد لن يكون كاليوم، صحيح؟ أعلم أنك تخطط لشيء ما، لكني لا أعرف بالضبط ما هو؟ أنا : لا تخف لن أعرض أي شخص للخطر.. باسكال : ستعرض نفسك للخطر، وهذا غير مقبول بتاتاً.. أنا : ماذا تريد مني أن أفعل؟ تريد أن أقضي بقية حياتي مسجوناً في المنزل؟ تريدني أن أبقى دائماً خائفاً من أن أختطف مرة أخرى.. باسكال : لا، لم أقل ذلك.. يوجد قانون، وتوجد شرطة، لماذا لا نطلب مساعدتهم؟ أنا : أريد أن أعرف شيئاً قبل أن يعرفه أي شخص.. أريد الحقيقة. باسكال : المجرمون لا ينطقون بالحقيقة، لا يعرفونها.. هل ستصدق الحقيقة من أفواه المجرمين وقطاع الطرق؟ أنا : أكيد لا، لكنهم سيساعدونني دون أن يعلموا بذلك حتى.. باسكال : حسناً، ما الذي تنوي فعله؟ أنا : (أخذته من يده وذهبت به إلى النافذة، أزحت شقاً من الستائر) هل ترى ذلك الشخص الذي يتواجد على الرصيف ذو الملابس السوداء؟ باسكال : نعم، أحد الأشخاص العاديين ينتظر المواصلات. أنا : لا، ليس شخصاً عادياً، من الساعة الثامنة صباحاً وهو هناك، لا يتزحزح من مكانه.. مرت الكثير من المواصلات والكثير من الناس وهو باقٕ في مكانه ثابتاً، إنه ينتظِرني، سينتظر كثيراً. باسكال : ماذا ستفعل؟ أنا : يريد إختطافي مرة أخرى، لكني أنا من سأختطفه هذه المرة. باسكال : وإذا تأذيت أو حاول أن يقتلك؟