الإعلامي : هذا واجبنا، وهذا أقل شيء يمكننا فعله من أجلك، هل يمكنك مشاركة قصتك معنا بتفاصيلها؟ أنا : قصتي بدأت في المستشفى، عندما أفقت من الغيبوبة ولم أتذكر أي شيء، إسمي، بلدي، عائلتي.. لا شيء.. وعرفت بعد ذلك أن حتى وجهي ليس هو هذا الوجه الذي أمامك.. الإعلامي : كيف يمكن ذلك؟ أنا : عندما وجِدت في البحر كان وجهي مشوهاً، وخضعت لعمليات جراحية وعمليات تقويم الوجه كذلك، فتغيرت ملامحي وهذا شيء واضح جداً.. الإعلامي : هذا صعب جداً بالنسبة لك.. أنا : نعم كثيراً، إني ضيعت كل علامات الطريق. الإعلامي : أنت لم تضيعها عمداً، الطريق يعرفك جيداً.. وهل بعد وقت معين تذكرت شيئاً ولو بسيطاً. أنا : لم أتذكر شيئاً من حياتي السابقة حتى الآن. الإعلامي : بلدك أو عائلتك لم تتعرف عليك. أنا : وكيف ستعرفني؟ وجهي لم يعد كما في السابق، لا أمتلك هوية أو ذكرى أو صورة حتى، لا أمتلك دليلاً واحداً.. مثل شخص مظلوم محكوم عليه بالإعدام، والشهود يشهدون ضده، وهو ليس لديه دليل واحد لتبرئة نفسه. الإعلامي : وما هو إحساسك، بماذا تشعر؟ أنا : أشعر بالضياع، والفراغ، والغربة كذلك، ليس الغربة فقط لأنني لا أتذكر بلدي، بل لأني غريب عن نفسي ولا أعرف من أنا. الإعلامي : (تأثر قليلاً، لمسته كلماتي، صمت قليلاً) هذا شيء صعب للغاية أن تشعر به أنت كإنسان.. أنا : نعم، صعب جداً لكني أحاول وسأموت وأنا أحاول.. الإعلامي : ممتاز، والكل سيكون بجانبك ويدعمك. أنا : شكراً. الإعلامي : (سؤال أخير) هل هناك من يدعمك؟ أنا : نعم، الكثير من الناس، كان الكل لطيفاً معي.. وكذلك الفضل كله للسيد باسكال الذي ساعدني كثيراً وكان السبب الرئيسي لوصولي لهذا البرنامج، كان دائماً بجانبي، يدعمني وأشكره كثيراً وأشكر كل الناس الذين ساعدوني، وأشكر هذا البرنامج الذي كان دائماً ولازال يساعد الناس.. الإعلامي : شكراً لك أنت، انتهت حلقة اليوم، أتمنى من الكل أن يساعد بالقليل والكثير هذا الشاب الطموح الذي لم يطلب أشياء خيالية، طلب حقه فقط، وحقه هو العثور على عائلته ووطنه، ومن واجبنا مساعدته في معرفة الحقيقة وهذا أقل شيء يمكننا فعله.. أرقامنا متاحة لكم طوال اليوم.. وراء كل صورة حكاية ووراء كل حكاية تجربة، فدعونا نسمع حكايتكم ونستفيد من تجاربكم.. دمتم بخير، إلى اللقاء في حلقة أخرى وقصة أخرى. بعد أن إنتهيت أوصلني السيد باسكال للبيت كل شيء مر بسلام.. باسكال : كان لقاءاً جيداً.. أنا : نعم، أحببت ذلك.. باسكال : ما هو برنامجك للغد.. أنا : لا أعلم، لم أخطط صراحة. باسكال : حسناً، كما تريد. أنا : في الصباح أريد المشي معك للمستشفى. باسكال : هل يمكنني أن أعرف لماذا؟ أنا : أريد أن أزور سيدة هناك، تعرفت عليها عندما كنت مريضاً، ووعدتها بأن أزورها. باسكال : حسناً، سأنتظرك في الصباح. أنا : أحلام سعيدة. باسكال : أحلام سعيدة. خلدت للنوم، بكل فرح وسعادة أنتظر يوم الغد، أنتظره بأمل وسرور، هكذا شعرت.. يوم الغد لن يكون كالأيام السابقة، سيكون مميزاً.. نهضت في الصباح الباكر، جهزت نفسي للخروج ونزلت للأسفل. أنا : صباح الخير. باسكال : صباح الخير. تناولنا وجبة الفطور وذهبنا للمستشفى، وصلنا.. باسكال : عندما تريد الذهاب للمنزل، تعال لمكتبي أولاً.. أنا : حسناً.. ذهبت فوراً لزيارة السيدة التي تعرفت عليها والتي تتواجد في قسم أمراض السرطان، ثم تذكرت أنني وأنا في طريقي لغرفتها أنها خرجت، قالت أنها ستخرج بعد أسبوعين، والآن مر أكثر من ذلك، لكن رقم هاتفها معي وسأتصل بها، لكن المشكلة هو أنني نسيت أين وضعته، في ذاك الوقت لم يكن لدي هاتف. رجعت فوراً لمكتب السيد باسكال. باسكال : هل كل شيء على ما يرام.. أنا : نعم، كل شيء بخير.. نسيت أنها خرجت من المستشفى.. باسكال : لكن تعبيرات وجهك حزينة.. أنا : نعم، لأني ضيعت رقم هاتفها، ولا أستطيع التواصل معها مرة أخرى. باسكال : لا بأس يمكنني مساعدتك في هذا، ما إسمها بالكامل، وفي أي قسم كانت تتداوى. أنا : نسيت أن أسألها عن إسمها.. باسكال : هذه مشكلة. أنا : نعم، أتمنى أن أتذكر أين وضعت الورقة المدون فيها رقمها.. باسكال : أتمنى. أنا : علي الآنصراف حالاً كي لا أشغلك عن عملك. باسكال : لا بأس، يمكنك البقاء هنا.. أنا : سأذهب للبيت وقبل ذلك أريد المشي قليل.. باسكال : حسناً (أخرج نقوداً من جيبه ومدها لي) هذه النقود ستحتاجها إذا أردت شراء أي شيء. أنا : لا زالت لدي النقود الكافية، شكراً جزيلاً. باسكال : سأغضب منك، أولاً لأنك لا تريد أخذ النقود، و ثانياً لأنك تشكرني.. لا زلت تحسبني غريباً عنك.. أنا : لم أقصد ذلك بتاتاً، أنت قريب وليس غريب بالنسبة لي.. وعندما سأحتاج النقود سأطلبها منك بالتأكيد، أما كلمة شكراً فأقولها دائماً من باب الأدب. باسكال : حسناً.. أنا : يوم سعيد و حظ طيب. باسكال : يوم سعيد. خرجت من المستشفى، وإتجهت لدكان الزهور الذي كنت أطل عليه كل يوم من نافذة المستشفى.. اللافتة التي توجد في مقدمة الدكان مكتوب فيها هذا اليوم.. (الأشياء التي تتظاهر بمساعدتك قد تكون في الحقيقة هي الأشياء نفسها التي تورطك، وأنت غير منتبه لها) أحياناً الأشياء التي نظن أنها في صفنا ومن مصلحتنا تكون عكس ذلك تماماً.. توهمنا بالمساعدة وهي تحفر لنا حفرة لإلقاءنا فيها، حفرة عميقة كي لا نستطيع الطلوع منها. دخلت للمحل، جميل بكل أحواله.. لم يفشل يوماً في إبهاري بجمال وروده، كانت الكثير من الزهور بأنواعها وألوانها (زهور البيتونيا، الأذريون، البانسي، زنبق الياقوت، الزهرة الفارسية والكثير …) أخذت أزهاراً جميلة من نوع (زهرة طائر الجنة) زرقاء اللون، جذابة أعجبتني كثيراً وفكرت بأن أهديها للسيدة ماريا.. خرجت من المحل، أوقفت سيارة تاكسي كي أذهب للبيت.. جلست في الكرسي الخلفي. إستغرق السائق وقتاً طويلاً لتوصيلي للبيت، كان يدور في شوارع كثيرة لا تؤدي للمكان الذي أقطن فيه. أنا : عذراً، هذا ليس طريق المنزل. السائق : سنصل قريباً. لم أنتبه للسائق في البداية، بدأت أحقق فيه، كان مرتدياً الكمامة على وجهه، تسربت عيناي ليديه.. رأيت الوشم، إنه صاحب الوشم الذي يطاردني، نعم هو.. وقعت في الفخ، هذا واضح جداً.. شعرت بالخطر لكني بقيت هادئاً كي أصل لحل يساعدني، كنت أحاول أخذ الهاتف من جيبي لكنه رآني ووضع مسدساً في جبهتي. هو : أعطِني الهاتف. أنا : أعطيته الهاتف.. هو : إذا فعلت شيئاً خاطئاً واحداً سأدفنك حيث أنت.. أنا : حسناً، أنا الآن لا أملك المال أو شيئاً ثميناً، أرجوك دعني أذهب للبيت. هو : (يضحك) أصمت.. أنزلني في مكان مهجور في الغابة، كان هناك بيتاً واحداً فقط، لا يوجد شيء غير الخلاء والأشجار العالية المخيفة ذات الظل الكبير.. كان أمام البيت أربعة رجال طوال القامة يشبهون قطاع الطرق، صرخت كثيراً لكن دون جدوى، حاولت الهرب لكن واحداً منهم خدرني وفقدت الوعي. اِستيقظت بعد ثلاث ساعات من ذلك، كنت أشعر بالدوار، وكنت كذلك مكبلاً وبجانبي الزهور التي إشتريتها، لم يكن أحد بجواري (وكأنني عوقبت على ذنب لا أعرفه ويعرفني هو، ذنب دفنته وعاد ليدفنني، سر خبأته وظهر ليفضحني) أنا : هل من أحد هنا؟ هو : ماذا تريد؟ أنا : (مصدوم، فهو يقف أمامي دون إرتداء الكمامة التي كانت على وجهه، الذي يقف أمامي هو نفس الشخص الذي كنا نراه أنا وابن السيد باسكال في كوابيسنا، نفس الشخص الذي رسمناه في اللوحات بكل تفصيلة صغيرة من تفاصيله) من أنت؟ هو : (يضحك) أخد كرسي وضعه أمامي وجلس عليه، يقرب وجهه من وجهي وينظر لي بنظرات غريبة، نظرات الدهشة تبدو على وجهي) (يضحك مرة أخري) لم آتى بك هنا لنتعرف. أنا : هل تعرفني؟ هو : الكل أصبح يعرفك هذه الأيام.. أنا : لا اقصد الآن، في السابق.. هو : (يضحك) قد يكون هذا هو سبب مشاكلك.. يجيبنى بأسئلة غامضة وعقلي لا يستوعبها. أنا : لكنني لا أتذكر شيئاً، فقدت ذاكرتي، حسناً.. ماذا تريد مني؟ هو : هذا افضل سؤال طرحته في حياتك، بسيط وواضح.. لكن قبل ذلك أريد أن أسألك؟ أنا : ماذا؟ هو : الزهور التي بجانبك، ما الدافع الذي جبرك على إقتناءها؟ أنا : لأنها جميلة ولونها مريح و جذاب. هو : وماذا أيضاً، نسيت شيئاً مهماً.. أنا : وما هو؟ هو : هذه الزهور ترمز للبهجة والسرور، وتعيش كثيراً لمدة عشرة سنوات، أي ستعيش أكثر منك، ستأخذ عشرة سنوات من عمرك. أنا : ستقتلني؟ هو : قبل قليل سألتني (ماذا تريد مني؟) أريد قتلك.