فزع الجميع من صوت صراخ نجاة وهرعوا باتجاه الباب ولكن توقف الجميع مذهولين فتمرد القلب المشتاق وقرر أن يقطع لحظات الذهول والصمت والتقفت يد الأم من يقف على أعتاب باب الشقة بشوق بالغ وكأن روحها عادت إليها من جديد فخرج صوتها مهزوز ملئ بالسعادة والفرح: ماهر حبيبي وحشتني يا قلبي غيبتك طولت المرادي يا قلب امك اووووي عرفت الدموع مجراها على وجنتي الام وهبطت بغزارة وكأنها شلال من اشتياق وحنين كان كفيل بهدم حصون الام وقتلها بالبطئ أفاق الاب من صدمة اشتياقه لابنه والتقط فلذة كبده من احضان امه المتشبثه به وكانها غريق متشبث بآخر أمل له بالحياة حيث ربت الأب على كتف ماهر بحميميه وهو ياخذة للداخل فجلس الجميع على الأرائك الموضوعة بالردهه فتساءل الابن عن شقيقته الكبرى : امال منى فين يا بابا ؟ تنهد الاب بألم مختفي ولكنه ظاهر بمقلتيه التي امتلأت بالدموع حزناً على ما آلت إليه الامور واصبحت ابنته الكبرى ارمله وهي ما زالت بريعان شبابها تحمل مسؤوليه طفلتين على عاتقها دافنه أحزانها بقلبها الذي أغلقته على حبيبها وصديق طفولتها وعشقها الأبدي : في الجمعية يا بني هز راسه وظل صامتاً ...جائت الفتاتان من الداخل تركضتان فور سماعهن صوت ماهر احتضنهن ماهر بحب ابوي وظل يشاكسهن ويدغدغهن وتعلو ضحكاتهن وتصدح عاليا فدلفت الام للمطبخ لتعد لابنها الغائب الحاضر دائماً ما تشتهيه نفسه دائماً صدرت دقات هادئة ولكنها حزينة مثل صاحبتها فذهب ماهر لفتح باب الشقة لكونه يعلم أن منى من أتت وكان يريد أن يفاجئها بل ويأخذها بأحضانه فهي شقيقته الكبرى ورفيقة دربه ومنبع أسراره الأول والأخير وقفت مصدومة وسريعًا ارتمت بأحضان شقيقها وظلت تبكي بشدة وتنتحب وهو يربت على كتفها بهدوء حتى هدأت تماماً خرجت الأم من الداخل تحمل اطباق الطعام هي ونجاة وتساعدهن الفتاتان وجلسوا جميعاً لتناول طعام الإفطار فاليوم هو أحد أيام الشهر المبارك رمضان ولكن اتجهت أنظار ماهر إلى سارة الواقفة تتابع ما يحدث بفضول حيث توترت نظراتها فور اتجاه انظار ماهر تجاهها وكانه يراها فابتسم بهدوء وبدأ في تناول طعامه فور انتهائهم جميعاً من تناول الطعام دلف ماهر إلى المرحاض لغسل يديه وخرج يجفف يديه بمنشفته القطنية ثم قام بتعليقها على الحامل المخصص بجانب باب المرحاض قبل أن يخرج إلى الشرفة وأنظاره تتجه إلى سارة الواقفة بالقرب من النافذة الكبيرة ذات الزجاج الملون الذي أعطاه رونق جمالي راقي مما جعل نظراتها تتوتر أكثر لكونها لا تعلم إذا كان يراها أو لا يراها كبقيتهم صدح صوت الأب منادياً على ولده من داخل الشرفة فذهب ماهر إلى حيث يجلس والده والأم ومعها ابنتيها والفتاتان وبالطبع سارة الحاضر الغائب الغير مرئي لهم جلسوا جميعا يتناولون الشاي الساخن ويتحدثون في أمور الحياة فتساءل الأب وهو يرتشف بعض من الشاي الساخن : انت هتقعد معانا كام يوم يا ماهر ؟ جاوبه ماهر وهو يشبك يديه ببعضهما فهو يعلم أن ما سيقوله لن يسعد الجميع : همشي النهاردة الفجر آخر ميعاد التمعت أعين الأم بالدموع وتساءلت بحزن لم تستطع مداراته وسقطت دمعتها وهي تتحدث: وانت لحقت تقعد معانا يا حبيبي ولا نشبع منك؟ أقترب منها فلذة كبدها الوحيد وجلس القرفصاء أمامها يمسك كفي يديها المرتعشتين بشدة : معلش يا أمي غصب عني والله بس البلد بتمر بأيام صعبة معلش هي الساعة كام؟ جاوبته نجاة وهي تنظر لساعة يدها سريعاً: الساعة سبعة وقف ماهر وهو يقول : هدخل انام شوية قبل ما امشي دخل ماهر لغرفته ثم أغلق بابها خلفه بهدوء وبدأ في خلع جاكيته الثقيل ثم استلقى على فراشه ينظر لسقف غرفته وهو شارد الذهن وتعلو شفتيه ابتسامه زادت من وسامته فهو يتمتع بوسامة غير طبيعية ما جعل تلك الواقفة بأحد زوايا غرفته تراقبه في صمت تشرد بملامح وجهه القوية لكونه يتمتع بملامح رجولية شرقيه وصوت أجش ينم عن قلب قوي تنهد قبل أن يدير عينيه تجاهها في صمت وكأنه يراها فظلت عيناه تراقبها أو كما خُيل لها أنه يراقبها أو يراها إلى أن غفت عيناه مما شجعها على الاقتراب من فراشه وتمنت لو أمكنها الاقتراب منه أكثر مع مرور الوقت ولكنها ظلت على وضعيتها لفترة من الوقت لا تعلم مدتها ولكن قطع شرودها ذاك صوت نغمة تنبيه صدرت من المنبه الموضوع بجانب فراشه وفوراً فتح عينيه لتتلاقى نظراته بنظرات عينيها فزادت حيرتها أكثر عن ذى قبل. اعتدل ماهر سريعاً وكأنه لم يكن يغط في نوم عميق منذ لحظات قليلة حتى يرتدي جاكيته ويستعد للرحيل فقد آن الأوان لعودته الى عمله فهو ضابط بالجيش المصري وحتى لا يشعر به أحد من أهله عند رحيله ولكنه قبل أن يخرج من غرفته استدار ينظر تجاه سارة وكأنه يراها ويودعها قبل أن يغادر سريعاً مما جعل دقات قلبها تهدر سريعاً للغاية اجتمعت العائلة امام التلفاز بعد صياح الأب: تعالوا معايا نتفرج على التلفزيون في بيان مهم هيلقيه الريس. مد عبد الحميد يده وادار زر التلفاز فبدأ الإرسال وجلس الجميع يشاهدون ويتسامرون وبداخل كلاً منهم ما يخبئه وراء ضحكته ولكن قطع حديثهم بدء خطاب الرئيس مما جعل سارة تقف مشدوهة مذهولة عند رؤيتها للرئيس الراحل محمد انور السادات ظاهر امامها بكامل صحته ويلقي كلمته التي تبث مباشر تباً ماذا يحدث لي ولكن فضولها جعلها تنصت لما يقول فألقى كلمته الشهيرة والتي كانت من أشهر خطاباته قبل اندلاع الحرب فصدح صوته مجلجلاً مطالباً الشعب بالصمود أمام الطغيان والاستعمار فألقي كلماته التي ألهبت حماس الشعب بحدتها وقوتها : (إن القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة سوف تعبر قناة السويس لتتولى مسؤوليتها الكاملة على الضفة الشرقية للقناة فإن وقفة هذا الشعب وتصميمه وإرادته كانت من أهم عوامل حماسنا والنهارده انا واقف وبعلن قدام العالم كله بعد هزيمه 67 بقول العين بالعين والسن بالسن والعنف بالعنف ونبالم بنبالم والبادي اظلم والله اكبر فوق كل كبير ) تعالت الهتافات والزغاريد والافراح بعد هذا الخطاب العظيم فقد كان نقطة فاصلة في حياة الشعوب والأمم العربية بشكل عام وما أسعدها بشدة حماس الأسرة والشعب أجمع ودعواتهم المليئة بالحماس والإصرار فسارت قشعريرة غريبة بأوصالها جعلتها ترتجف قلقة خائفة ولكن تغيرت الأحداث من حولها بشكل غريب وتعالت أصوات الهتافات والزغاريد من حولها وقد أعلن المتحدث العسكري بنشوب الحرب واستيلاء الجيش على الضفة الغربية لقناة السويس وأسر العديد من الصهاينة ولكن تمت محاصرة الجيش الثالث من قبل جيش العدو وكان ماهر من بين ضباط هذا الصف وتمت محاصرته بل والأصعب استشهاده أثناء إحدى المناوشات بين ضباط جيشنا وجيش العدو فوقفت منصدمة تشعر بغصة شديدة داخل قلبها عند علمها بما حدث وما زاد وجعها اتشاح الام والاختان بالسواد وقد تعالت أصوات الصراخ والعويل بين جدران المنزل الذي كانت السعادة لا تفارقه يوماً ولكن القدر ابدلها بحزن دائم على فقيدها خير شباب الوطن حيث كانت تقف تتابع ما يحدث بقلب منفطر يحمل قهراً داخلي على أحوال البلاد بالرغم من فوز بلدنا الحبيب والانتصار ولكن بقيت تلك البقعة محتلة كحال البلاد العربية فتحت عينيها البنية التي تكسوها رموش كثيفة سوداء وكانت تلتمع بعينيها بنظرات منصدمه مما يحدث حولها فظلت تتلفت حولها مندهشة مما ترى حولها فهي تجلس على فراشها داخل حجرتها تمسك بيدها كتابها الجديد ففتحته سريعاً لتلتقط عينيها آخر ما كانت تقرأ وذهلت مما قرأت عينيها كانت الصفحة تروي أحداث ما قبل حرب الإنتصار ورد الكرامة مسحت وجهها بيديها واغمضت عينيها علها تستجمع شتات أمرها ولكن قطع استجمامها صوت الأم وهي تردف قائلة: كل ده نوم يا سارة ؟ عقدت سارة حاجبيها مندهشة للغاية وهمست: نوم يعني انا كل ده كنت بحلم مش معقول تسألت الام بتعجب من همس ابنتها بكلام غير مفهوم ولكن من الواضح أنها تمر بأوقات عصيبة : هو ايه اللي مش معقول ده يا سارة مالك يا حبيبتي من وقت ما رجعتي من المعرض وانت حالك متغير ؟ اعتدلت سارة من نومها وهي تسحب منشفتها القطنية كي تدخل الى المرحاض تتوضأ وتصلى ركعتين تستجمع بهما شتات نفسها الضائعه: مفيش حاجه يا ماما انا كويسه متقلقيش عليا اومأت الأم واردفت وهي تحاول إقناع نفسها أن طفلتها بخير كما تدعي فمن الواضح أنها لا تريد التحدث عن الأمر : طيب يلا قومي صلي اللي فاتك لحد ما احضر العشا. جاوبتها وهي تهم بالخروج من غرفتها كي تتوضأ: حاضر يا ماما أنهت صلاتها ثم التقطت حاسوبها المحمول وظلت تبحث وتبحث بين المواقع عن صور ما قبل الحرب وما بعدها ووجدت العديد من المواضيع التي تناقش هذه الفترة الهامة والفاصلة بتاريخ البلاد وما افجعها عند رؤيته بين صور الشهداء حيث شعرت أن روحها سلبت، أمن المعقول انها تحلم بأحداث حدثت بالفعل؟! ولكن تعجبها زاد عندما وجدت نفسها لا اراديًا تطيل النظر لمعالمه ولكنها أفاقت وأغلقت الحاسوب وخرجت مع الجميع يتناولون الطعام وقضت أمسية رائعة وسط جو اسري يفتقده الجميع