-نصف ممددة على الفراش؛ وجهها شديد الشحوب، ترتعش من الألم الذي صاحب جسمها وروحها المنهكة، ترنو بنظراتها الزائغة نحو جسمها العاري والغرفة التي تتعرف عليها! تعالت صرخاتها عندما استوعبت ما مرت به، ضمت ركبتيها لصدرها وجحظت عي ناها، لقد وصلت للنهاية، هكذا كانت تتوقع، دارت في رأسها السويعات السابقة عندما هاتفها هاشم بأن تأتي له كي تقابل أحد تجار المخدرات كي تعطيه حصته. حين أدت مهمتها بسلام كالعادة هاتفها هاشم من جديد طال بًا مقابلتها في مكتبه. تأففت بنزق، فالوقت قد شارف على الرابعة فجرًا لكنها لم تكن تملك حق الرفض. وفي غضون دقائق كانت قد وصلت له. نظراته لم ترُ قها على الإطلاق، شعرت بشيء ما، وصدق حدسها عندما اقترب منها ولم ي حد بنظراته عنها بل طالعها من الأسفل للأعلى، لكنه تخطاها وراح يتمدد على طاولة المساچ دون كلام. ها قد أتت اللحظة التي تخشاها، لكل شيء ضريبة رغم أنها دفعت الكثير لكن يبدو أن هناك المزيد، حاولت التملص منه حيث أخرجت الهاتف كي تخبر رجاء بأن تأتي وتقوم بالمهمة؛ لكنه لم يع ط ها الفرصة أبًدً ا، أخذ الهاتف منها عنوة ورماه أرضً ا وهو يجذبها حتى التصقت به، الخوف كان يعتري ملامحها وهي تبتعد عنه، لكنه كان ي جذبها كل مرة تبتعد فيها بتصميم أكثر، وحين صرخت بأنها ل تريد، لم تتلَقَ غير صفعة أوقعتها أرضًا مغشيًا عليها ! عادت بذاكرتها للواقع من جديد، زاد نحيبها وهي تقبض على مفرش السرير بيدها ،توقف عقلها عن العمل، ول تعلم ماذا تريد في تلك اللحظة، هل تريد الموت ح قًا؟ أم ماذا تريد؟ والدتها لمن ستتركها إذا رحلت عن هذا العالم، صفعت نفسها بكل قوتها، صفعات متتالية حتى جرحت جانب شفتيها، والدماء لطخت يدها، واحمر وجهها، حتى أن عي ناها لم تسلما فبدأ اللون الأزرق يظهر أسفلهما. -أريد الأربعة جدران، صرخت وهي تردد تلك الكلمات، الآن شعرت بقيمة الجدران، تلك الجدران التي كانت تبغضها؛ تحتا ج إليها الآن، منذ أن تركتها بإرادتها لم تشعر براحة أبدا، ليتها كانت تعلم منذ البداية أن هذه الجدران كانت الأمان لها من هذا العالم الموبوء. أضاءت شاشة الهاتف المُلقى على الأرض، نظرت له بتيه وهي لم تعلم من المتصل، تكورت على نفسها كالجنين واستكانت دون حراك تراقب بنظرها انطفاءه ومعاودت ه التصال مرة أخرى. بعد ما يقارب من الساع تين وهي على نفس جلستها تحدق في اللا شيء، انفتح الباب على مصراعيه. لم تع ط للزائر أي اهتمام، ظلت مكانها وع يناها تذر فان الدموع. -أوووه، أخيرًا يا فجر لقد هرمنا يا فتاة. رفعت عينيها تطالعها بدهشة، كيف لأنثى أن تكون بكل هذا الرخص! -ماذا؟! أأنت فرَحة حقًا ؟ -طالعتها عبير دون اهتمام وأردفت: ولمَ ل ؟ -قد اغُتصبتُ يا حمقاء، صرخت فجر وهي ترد عليها. فأجابتها: -ما هذا الهراء؟ ألم تعلمي منذ البداية إلى أين أن ت آتية؟ وماذا ستعملين ؟ دارت حولها وأكملت: ل تلعبي دور الضحية لأنك لن تجُيديه، تطلعي لروحك بالمرآة وكوني صادقة لمرة واحدة في حياتك فجر مَن الذي اختار السهل؟ أن ت أم ماذا، ل تلومي على أحد، هل حدد ت نوع العمل؟ طبعا الإجابة ل، هل كلف ت خاطرك بأن تسألي عما ستعملين؟ طبعا ل، الآن تبكين وتنوحين؟ بأي حق هذا! ! ظلت تنظر إليها قليلاً بصمت، ثم سحبت أحد الكراسي الموجودة وجلست مقابلتها قائلة: أنت مَن اختر ت السهل يا فجر هذا الأون لين ل يمكننا العتماد عليه إل من أناس نعرفهم ويعرفو ننا جيًدً ا، غير ذلك فهو هراء وعبث. ل تقول ي أن ك ل تعلمين ما يحدث عليه من كوارث؟ لكن ك أحبب ت أن تخوضي التجربة، يمكننا القول أن ك لم تكوني تعرفين النهاية فكانت مفاجئة ل ك، لكن غير ذلك فهو كان مكشو فًا منذ الوهلة الأولى. وضعت ي ديها على أذ نيها كي ل تسمع أكثر، وصرخت بقهر: اخرجي من هنا ،اخرجي. -قهقهت عبير عال يًا وهي تمضغ علكة في فمها، ثم ألقت عليها نظرة شامتة حاقدة وخرجت وهي تسير بتمايل على الأرض الرخامية المصقولة بكع ب عا ل رفيع يطرق عليها كنغ م منتظم. أما فجر فوقفت بتصميم، ل بد أل تستسلم، ستساعد على قتله والتخلص منه، لربما يغفر لها الله ما فعلته في نفسها ومَن حولها . * ****************** -تجمعت حبات العرق على جبينه، الصدمة ألجمته، وربطت لسانه، تهدجت أنفاسه، صراع عنيف يجذبه ويلقيه مهدود القوى، تحرك بهدوء يسير خطوة هنا وخطوة هناك، تنهد بكبت وهو يشرد في تفاصيل لم يستطع جمعها. تلك الحسناء التي افتتن بها منذ أن رآها عند الشاطئ، أصبحت تؤرق روحه ،ليته لم يقترب، ليته لم يخرج من منزله في تلك اللحظة، صدمته الأولى كانت عندما علم من هي، أما الطامة الكبري ما حدث لها مؤخرًا. ترك كل ما يجيش في صدره جانبًا وجلس بجوارها يطالعها بنظرات مُشفقة وغاضبة، وفي رأسه يضحك على غب ائه، كيف انخدع في مظهرها البريء! زم شفتيه، وأخذ نفسً ا عمي قًا وأخرجه بتمهل قائلاً: أظن ك ل تريدين عمل محضر في قسم الشرطة، أليس كذلك؟ خرجت من بين أحضا ن رجاء ومحت دموعها بأصابع يدها المرتعشة قائلة: -بلى، أريد تحرير محضر. تدخلت رجاء قائلة وهي تربت على ذراعها: -لن تسلمي من شره إذا فعل تها، وكل الشهود ستكون معه هو، وبتحقيق بسيط وتفريغ للكاميرات سيرون أن أن ت مَن أتي ت له في ذلك الوقت. نظرت لناصر تستنجد به لكنه طالعها بنظرات مؤيدة لكلام صديقتها والتزم الصمت. تنحنح بصوت مسموع وهو يقول كي يطمئنها: -سيأخذ ما يستحق من عقاب، أعدك بذلك، قد جمعت العشر فتيات وفي الغد سي ك ن جاهزات. -وماذا بعد؟ سألته رجاء . فأجابها وهو يقف مُعلنًا عن مغادرته لهما: -هذه الفتيات مجموعة من أفضل الطلاب في كلية الشرطة، كل منهن مُدربة جيدا ،فقط كل ما عليك الآن هو أن تبلغي هاشم بأنك نفذ ت ما طلبه منك. تحسس جيب سترته وأخرج منها ميكروفي لم للتنصت، مد يده لها وهو يقول: هذا يجب وضعه في مكتب هاشم حتى نعلم خطواته القادمة. أخذته رجاء وهي تهز رأسها قائلة ببعض من الخوف: وما مصيرنا؟ هل ستظن أنهم سيتركوننا أنا أو فجر . -وَمن سيعلمهم بتعاونكما معنا ؟ -ل أعلم، لكني أشعر بالخوف. طمأنها بابتسامة ودودة: شعورك بالخوف طبيعي جًدً ا، لكن ل تقلقي. * ************* -تلك الآمال والأحلام التي نبنيها على رمال الشاطئ وتدهسها الأقدام أو تخفي ملامحها امواج البحر، لم تكن أمنيات وأحلامً ا واه ية، بل هي ما نود حدوثه مهما كانت نتائجها، لكننا ل نملك سوى الرسم على الرمال!! الشعور بخيبة الأمل ونحن نرى الأحلام تختفي أمام أعيننا شعور طبيعي جدا في نفوس كل البشر. في زاوية بعيدة جلست وحيدة شاردة، تتطلع للمستقبل الذي تمنته، لذلك الحذاء الذي أرادت شراءه ،فارتدت أغلى مما كانت تتوقع، لكن المقابل كان صدمة لها، ابتسمت بمرارة على غب ائها فأي توقع خطر ببالها لم يكن نصف ما عاشته ول ما دفعته ،جال في خاطرها صورة سلمى والدتها ،فارتعش ت شفتاها وهي تود الصراخ من سلبياتها في الحياة ،لأول مرة تعلم أنها كانت تعشق والدها بهذه الطريقة حتى تهملها هكذا وتدخل صومعتها تاركة إياها خلف ظهرها! أي أم تلك؟ لقد سئمت منها، لقد كانت تريد الدعم لكنها لم تجده. -هل سيرتاح قلبك هكذا؟ هل حقاً سيرتاح عندما تلقي اللوم على سلمى ؟ خرج صوت من داخل أعماقها محطمًا لكل حصونها وأجابت: ل. بكل بساطة: ل. رددت ب: ل كثيرً ا حتى انتهى بها المطاف وهي تجلس تحت قدمها تبكي، والأخرى تحرك يدها على شعرها وهي في عال م آخر .