Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل السادس

-في المساء وبعد أن أسدل اليل ستائره، وانتشرت النجوم تزين السماء ببريق لمع، جلست في الشرفة واضعة سا قًا على الأخرى، ترتشف كو بًا من عصير الجوافة الطازج، ترتدي بنطا لً من الجينز الأحمر، وبلوزة سوداء، وشعرها ينسدل على ظهرها بأريحية، تتطلع للنجوم من حين لآخر، والبحر تتضارب موجاته بتناغم حلو، من بعيد رأت شا باً وفتاة يمسكان بأيدي بعضهما البعض، يمشيان على ممشى بعرض البحر، الأضواء المبهرجة حولهما جعلتهما مُلفتي ن للأنظار، أيقنت أنهما حبيبان، عاشقان مثلًا في بداية التعارف الجاد، أو زوجان؛ وضعت الكوب جان بًا من بين راحة يدها، وتحسست إصبع يدها، كم ت توق لرؤية خاتم زواج يزين هذا الإصبع اليتيم! ابتسمت بمرارة وهي تعلم الإجابة جيًدً ا: فمن الذي سيوافق على عاهرة مثلها أن تحمل اسمه! أغمضت عي نيها بحسرة، وفرت دمعة من عينيها مَحتها بطرف إصبعها المرتعش ،انتشلها رنين الباب، تحركت وهي تتعثر في خطواتها، تنفست الصعداء حين وصلت بسلام، ابتسمت بتوتر حين طالعها الواقف أمامها بنظرات جامدة: -تفضلا. خرج صوتها مهزوزً ا، لكنها تغلبت على ما يجيش في صدرها وابتسمت. تقدمت فجر بخطوات ثابتة تحسد عليها، ووراءها كان ناصر ، أغلقت رجاء الباب، وتقدمت منهما وحثتهم ا على الجلوس. سيطر الصمت عليهم لبرهة من الوقت قاطعه ناصر قائلاً: لقد أخبرتني فجر بكل شيء، والآن أريد مساعدتك ن جميعًا حتى يأخذ كل شخص جزاءه. أومأت برأسها، ويدها تتوسط حجرها تفر ك فيهما: -قبل كل شيء ل بد أن تعلم أن هاشم لن يستسلم بسهولة، والقبض عليه صعب بل مستحيل، فإذا علمت مَن وراءه سيشيب شعر رأسك. وضع سا قًا على الأخرى، وعيناه تدوران بالمكان، هو يعلم صدق حديثها ومقدماتها ليست بجديدة عليه، فهذا المجال يضم الكثير من رجال الأعمال وذ وي المناصب العالية من جميع الدول، لكن ل بد أل يدفن رأسه في الرمال كالنعام ويقول ما شأني، فكل منهن مَن سلكت طريقها بمحض إرادتها . تدخلت فجر والنفعال يرتسم على محياها: لماذا الإحباط الآن ؟! -نفت رجاء برأسها وهي تغمغم بصوت مسموع: لم يكن إحباطً ا أبدا، لكن لكي تكون الصورة واضحة أمامه، فمن الممكن أن يخسر حياته، والمقابل، ل شيء. هوى قلبها تحت قدميها، قد كانت رسمت أحلامً ا وأمنيات جديدة بعد الخلاص من تلك الحياة المقرفة التي تعيش بداخلها، وبكلمة وفي غضون لحظات تحطم كل شيء، شعرت بالتيه يجتاحها، وأقسمت إن لم تتخلص من هذا الجحيم سريعًا فلن تتراجع أبًدً ا عن فكرة النتحار. شعر ناصر بها وبما يدور في ذهنها، تنحنح بصوت مسموع بعض الشيء ،فنظرتا له، فأردف: -ل تقلقا، لم يوجد لد ي ما أخسره حتى أتراجع، هذا عملي، ومن الممكن خسارة حياتي في أي لحظة، جميعنا معرضون لهذا في أي وقت، وإن لم يكن الخلاص على يدي، ستجدون مَن يكمل مسيرتي، والآن أريد معرفة كل شيء عن هاشم. ابتسمت رجاء وهي تهز رأسها لفجر محاولة منها كي تطمئنها، وأردفت: -أي معلومة عن شبكة الدعارة التي يقودها هاشم فهي في حوزتي، أعلم أماكنه في كل بلد أو دولة، أما عن تجارة المخدرات ففجر تعلم أكثر مني، لكن عل ي أن أخبرك أن هاشم لم يتواجد في أي من هذه الأماكن أبًدً ا، مكان واحد فقط يتواجد فيه، وهناك مدخل سري لم يعرفه أحد سواي وهو فقط، وهذا تأمين لحياته في حال وجود أي شيء غير مطمئن. -أين هذا المكان؟ سأل ت فجر . فأجابتها الأخرى: تلك البناية التي جئ ت وقابل ته فيها أول مرة. -ما دورك في تجارة المخدرات؟ وجه ناصر سؤالً لفجر التي ردت بدورها وهي تنظر للأرض: فقط التوزيع أما التفاقات فجميعها مع هاشم . -الخيوط جميعها متناثرة، لم يوجد لها أطراف محكمة، كلُ في وا د نسجه من خياله، بدأت بأوهام السهل وانتهت بمواجهة الصعب، السهل هنا يذكر ب الأون لين ، أما الصعب فهو ما يوجد بداخل الأون لين، شتان بين ما يعلمه الشخص من خارج الشاطئ وما يعلمه عندما يبحر بداخله، لم ينجُ أحد ممن غامروا، هكذا الحياة، بل هكذا كل ما هو سهل أو ما يعتقده الإنسان سهلًا. لحظات سيطر الصمت على جميعهم كل يفكر في نفسه وما سيفعله. إل ناصر كان يفكر كيف سيخلص الجميع من بين قبضة هاشم وأعوانه. يعلم كل العلم أنه يوجد مثل هاشم الكثير ول أحد يعترض حتى ولو أراد، لكنه حظ هاشم العثر الذي جعل فجر تعترف بخطئها، وتعترف لوالديها بجرمها في حقهما وحق نفسها، ففتحت عليه أبواب جهنم، و رجاء التي بعد أن فعلت كل ما يحلو لها أن تستيقظ من غفلتها التي عاشت فيها لسنوات طوا ل ، ولم تج ن شيئاً سوى أن كرامتها ُدُهست تحت أقدام الجميع. -مَن تكون عبير التي ذكر تها من قبل، وهل هي مثلكما تريد الخلاص من ذاك العالم الموبوء أو ماذا؟ مطت رجاء شفتيها ونظرت إل ى فجر التي لم تب د بأي ردة فعل، فردت بحزن: عبير فتاة طائشة ومتهورة، والداها كل منهما يشغل منصبًا مرموقًا، فوالدها رجل أعمال، ووالدتها دكتورة جامعية، لديها أخت تكبرها في جامعة الطب، إنما هناك مثل شعبي يقول "يخلق من ظهر العالم فاس د" وكانت عبير هي الفساد ح قًا. حيث يوجد لديها كل شيء، أسرة، مال، وغيرهم، إنما هي مَن أرادت أن تنعزل عن الجميع، هي من اختارت طريق اللا عودة بمحض إرادتها، والسبب أنها تريد ذلك. في بداية الأمر كنت أتوهم أن الفقر هو الأساس في اللجوء للطريق الخطأ إنما بعد أن قابلت عبير وغيرها، أيقنت أن للحقيقة وجوه أخرى، أنا مثلا كنت ناقمة من حياتي، بينما فجر تريد الخلاص وهي تملك الذي أتمناه أنا، الحياة الطبيعة تكمن في الرضا بقضاء الله، ونحن جميعا ناقم ون، ودائما لم نقل سوى، ل، ولماذا، رغم أننا ل نعلم الغيب ول ما سيحدث بعد لحظات لكنها الطبيعة البشرية فقط المجادلة فيما ل نعلم عنه شيئا! -تطلع بساعة يده وجدها تشير للثالثة صباحًا، وقف وهو يسحب سلسال مفاتيحه وهاتف ه من على الطاولة التي كانت أمامه قائلًا بتريث: غدً ا سأهاتفك ي ا رجاء لكن احذري أل يعلم أحدهم ما نخطط له ويبلغ هاشم ، ويفسد الأمر. هزت رأسها بتأييدها للأمر، ل تنكر خوفها من أن يعلم هاشم الأمر، وحينها النهاية معروفة جيًدً ا، ول توجد نهاية سوى الموت. أغلقت الباب وأوصدته جيًدً ا بعد خرو ج ناصر و فجر وجلست على الأريكة في زاوية بعيدة، تتطلع لصورة عائلتها المُعلقة على الجدار، الصورة الوحيدة التي تحتفظ بها، دموعها لم تنضب كل ليلة، تعض أصابعها من الندم على ما اقترفته من ذنب في حقها وحق عائلتها، تتابعهم من بعيد وتعلم كل أخبارهم خفية، دون أن يعلموا عنها شيئاً، الآن فقط تريد أن تأخذها والدتها في أحضانها ولو لمرة واحدة تشعرها فيها بالأمان، تريد والدها تحتمي وراء ظهره من هاشم وغيره، تريد أن تستمد القوة من أشقائها الشباب، فقط تريد أن تعود ابنة البواب.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514