كيف هُنت عليكِ يا شقيقتي، ألم نكن نلهو سويًا عندما كنا صغار، وبالكبر أصبحتي بئر أسراري، ألم أكن السند كما تريدين، أم كنت الحائط الذي يقف أمام سعادتك؟ ارتبكت يارا في حديثها قائلة: ـ أنا قلت قبل كده كل حاجة أعرفها. استطرد هشام ببرود قائلًا : ـ الحقيقة هتنكشف قريب، مفيش داعي إنك تخبي أكتر من كده، لو في أي حاجة تعرفيها قولي ده في مصلحتك. تلعثمت يارا في حديثها وهي تردد: ـ معنديش حاجة أخبيها. هز هشام رأسه قائلًا: ـ تمام، وأستمع لرنين هاتفه ليخرجه من جيب بنطاله ويجيب المكالمة. لم يتفوه بشيء، بل أنصت إلي الجهة الأخرى وأغلق الهاتف وخرج سريعًا من الغرفة وخلفه يارا. وقف منصور ما إن رأى هشام خارج من الغرفة فتحدث هشام قائلًا: ـ منصور باشا بطلب منك أنتَ، ومدام سميرة، وأنسة يارا، تيجوا معايا على القسم. منصور باستغراب: ـ بس ليه؟ هشام بهدوء: ـ هتعرفوا كل حاجة هناك، أنا همشي قبلكم وهكون في انتظاركم. منصور بصوت وجل: ـ تمام، وتابع وهو ينظر لزوجته وابنته، وقال: ـ واقفين ليه؟ يلا أجهزوا خلينا نمشي. بعد قليل أبدلت يارا ووالدتها ثيابهم، وصعدوا بالسيارة وانطلق بهم منصور إلى قسم الشرطة. وبطريقهم قالت يارا بتأفف: ـ أنا مش عارفة، إيه فايدة روحتي دي؟ صاحت والدتها قائلة: ـ يابنتي حرام عليكِ، أنا قلبي مقبوض على أختك وأنتِ قلبك قاسي عليها ليه كده؟ أشاحت يارا برأسها ولم تنبس ببنت شفة. لم يمضِ طويلًا من الوقت وتوقفت السيارة أمام قسم الشرطة، فهبطا منها ودلفا للداخل، قابلهم هشام بطريقهم قائلًا: ـ اتفضلوا جوة في مكتب بدر باشا، هو هيوضح لحضراتكم كل اللي حصل. سميرة بأعين دامعة وقلب يغزوه الألم: ـ يا ابني ريح قلبي وقولي بنتي جرالها حاجة. نظر لها هشام بشفقة على حالها وكاد أن يرد عليها، ليتحدث منصور قبله قائلًا: اهدي ياسميرة، إن شاء الله خير، أدخلي يلا. دلفت سميرة وخلفها منصور وكادت قدم يارا أن تخطو خلفهم، فقال هشام: ـ أنسة يارا، مطلوب التحقيق معاكِ. نظر منصور خلفه، فتابع هشام قائلًا: ـ كمل طريقك أنتَ يا منصور باشا، خلينا نشوف شغلنا. لم ينبس منصور ببنت شفة، فولج هو للداخل وبخطوات متثاقلة ذهبت يارا مع الضابط هشام. ـ توقفا أمام أحد الغرف وخرج وائل وخلفه أحد الضباط، رأته يارا، فقالت بخفوت: ـ وائل، أنتَ بتعمل إيه هنا؟ لم يتحدث وائل بينما ظهرت على ملامح وجهه الذعر لا غير. هشام لضابط: ـ في جديد. الضابط: ـ لا يا هشام نفس الكلام، وأكد كلام صاحبه علي هو اللي نقل الجثة. اتسعت أعين يارا عند سماعها تلك الجملة وتجمدت قدمها أسفلها؛ حتى أنها لم تلاحظ مغادرة الضابط ووائل من أمامهم، انتفضت عند سماع صوت الضابط هشام الذي صاح باسمها قائلًا: ـ أنسة يارا، إيه، روحتي مني فين؟ يارا بتوتر: ـ لا، ولا حاجة. هشام بحزم: ـ طيب، يلا أدخلي. دلفت يارا للداخل تحت توجيه هشام؛ لتجد نفسها بغرفة رمادية اللون، يتوسطها طاولة وكرسيان. في مكتب الضابط بدر، جالس هو خلف طاولة مكتبه ومنصور وسميرة أمامه. تحدث منصور قائلًا: إحنا أعصابنا باظت يا فندم ومش عارفين بنتنا فين؟ الضابط بتريث: ـ بنتكم راحت الرحلة مع أصحابها و...... صمت قليلًا لا يعرف كيف يبوء لهما هذا الخبر. فتحدثت سميرة: ـ وإيه، بنتي فين؟ بدر بتمهل حذر: ـ أكيد حضراتكم مؤمنين بقضاء ربنا، الحقيقة إن البنت لاقيناها مقتولة ومدفونة ورا البيت اللي كان فيه أصحابها، البقاء لله. صدمة أحتلت وجوههم، فتحدث منصور، والدموع تتساقط من عينيه، وضرب كفه بالأخر، وأخذ يردد: ـ إنا لله وإنا إليه راجعون. وقفت سميرة وهي تشعر بالدوار واستندت بيدها على الطاولة، وقالت بتيه: - يعني إيه؟ بنتي ماتت مش هشوفها تان....... لم تكمل حديثها؛ ليجدوها تسقط أرضًا، صاح الشرطي وهو ينادي باسمها: ـ مدام سميرة وتقدم منها زوجها، وانحنى لمستواها، ووضع رأسها على ركبته، وبصوت ممزوج بالبكاء، أخذ يضرب على وجهها برفق وينادي باسمها. سبحان الله وبحمده. سبحان الله العظيم جلست يارا وهشام بمقابلها، فتحدث هو قائلًا: ـ لسه برضه بتنكري إن نسمة كانت معاكم في الرحلة؟ ابتلعت يارا ريقها بخوف قائلة: أنا معرفش حاجة. صاح هشام غاضبًا وهو يضرب سطح المكتب: أستاذة يارا أصحابك كلهم اعترفوا بكل اللي حصل هناك وأنتِ لحد الآن بتنكري كل ده. بكت يارا وشحب لون وجهها، ليتابع هو: ـ الحقيقة انكشفت خلاص، أنتِ اللي قتلتي أختك صح؟ اتسعت أعين يارا وهي تنظر له وهزت رأسها يمنى ويسرى، فقال هو بكذب؛ كي يضغط عليها: ـ في دليل بيدينك بقتل أختك لو اعترفتي دلوقتي ده هيخفف الحكم عنك شوية، والأهم إن ممكن أهلك يسامحوكِ وأنا هساعدك في كده لو قولتيلي الحقيقة. تحدثت يارا بصوت منخفض: ـ مكنتش قاصدة أني أقتلها. كان كل شيء مسجل، حيث هناك كاميرات مراقبة بالغرفة تسجل كل ما تقوله يارا. تابع هشام قائلًا: ـ يعني أنتِ بتعترفي دلوقتي إنك أنتِ اللي قتلتي أختك. يارا بذعر: ـ أيوة، لأ، صدقني أنا مكنتش عاوزة أقتلها. اعتدل هشام في جلسته قائلاً: ـ عشان أقدر أساعدك لازم تحكيلي كل حاجة حصلت. أومأت يارا برأسها، وقالت: ـ وقتها وصلنا وكل واحد حط شنطته في الأوضة اللي هينام فيها وبعتنا وائل يجيب لينا أكل، طلعت من أوضتي كانت نسمة داخلة أوضة وائل. فلاش بااااااك دلفت يارا خلف نسمة ووجدتها جالسة بارتياح ممسكة بهاتفها ويوجد وشاح على كتفها. يارا: ـ نسمة، بتعملي إيه هنا؟ ابتسمت نسمة قائلة: ـ تعالي ياحبيبتي، الحقيقة النهاردة قررت حاجة وتابعت وهي تضع يدها على رأسها وصدر منها صوت أنين، قائلة: ـ يارا تعالي اعمليلي مساج لراسي، عندي صداع جامد. تقدمت منها يارا، ووقفت خلفها وأخذت تدلك رأسها، وقالت: ـ كملي، كنتِ هتقولي إيه؟ نسمة بتراخٍ: ـ مش عارفة اللي هعمله ده صح ولا غلط، بس أنا جيت أعترف لوائل بمشاعري اتجاهه، يارا أنا بحب وائل أوي، هحاول ألمح له بكده يمكن كمان هو يطلع بيحبني. صمتت يارا وكل ما يدور بداخلها أنها أيضًا واقعة بحب نفس الشخص، تطلعت نسمة عليها، وقالت: ـ مالك، بتفكري في إيه؟ فاقت يارا من شرودها وغمغمت قائلة: ـ أنتِ ليه كل حاجة بحبها بتاخديها مني؟ صدمت نسمة من حديثها قائلة: ـ أنا يا يارا، ليه بتقولي كده؟ قاطعهم صوت رنين هاتف نسمة فنظرت له، وقالت: ـ دي ماما هرد عليها الأول وبعدين نشوف موضوعك. فردت يارا قائلة: ـ ليه رنت عليكِ وأنا لأ؟ ما أنا كمان بنتهم. فصلت المكالمة فقالت نسمة: ـ أنتِ مش معقولة يا يارا، بتغيري مني أنا، ده أنتِ كل حاجة حلوة في حياتي، أنا عمري رفضتلك طلب؟ عادت والدتهم الاتصال بنسمة مرة أخرى، فقالت وهي على نفس جلستها: ـ هطمن ماما علينا الأول وبعدين نتكلم وكادت أن تضغط على شاشة هاتفها؛ لتتفاجئ بسحب يارا وشاحها، قامت بربطه من الخلف وضغطت بكل قوتها؛ كي تختنق شقيقتها، وقع الهاتف من يدها وحاولت أن تتحرر من قبضة أختها، شدت على أسورة كانت بيد يارا، فسقطت وتناثر خرزها، بعد قليل ارتخي جسد نسمة ويداها سقطت بجانبها وفاضت روحها إلى الرحمن. تركت يارا الوشاح ونظرت لأختها بصدمة على ما فعلته بها، مدت يدها تهزها من كتفها، ولكن لا جدوى، وضعت يدها على فمها ومن ثم قالت: ـ إيه اللي أنا عملته ده؟ خرجت من الغرفة وهي تنظر حولها؛ كي تتأكد إن كان أحد رأى ما فعلته، استمعت لأصوات ضحك أصدقائها، فخرجت لتجلس معهم. The end. يارا لهشام والدمع يسيل على وجهها بصمت: ـ بس ده كله اللي حصل، صدقني أنا مكنتش عارفة أنها هتموت، أنا أصلًا مش عارفة أنا عملت كده إزاي؟ هشام بترقب هادئ: ـ تمام، قومي معايا خلينا نطلع. يارا بخوف: ـ إيه اللي هيحصل دلوقتي؟ أنتَ هتقول لأهلي حاجة؟ هشام بغضب منها: ـ أنسة يارا أطلعي معايا من غير ما أسمعلك صوت. يارا بانهيار: ـ أنت كنت بتضحك عليَّ؛ عشان أعترف ومكنتش هتساعدني. حدجها هشام بنظرة ناريّة، فصمتت، وبالخارج بجانب مكتب الضابط بدر، جالس منصور وسميرة بعدما استعادت وعيها على كرسيان، تبدو كالمتغيبة، تنظر إلى الفراغ، وعينها ممتلئة بالدموع، تأبى النزول، رأى منصور بدر آتي أمامه، فهب واقفًا، وهو يقول: ـ مين اللي عمل كده في بنتي؟ ـ تحدث بدر مرتبكًا، كيف سيخبرهم بهذا الخبر، ولكنه يجب أن يخبرهم، فقال: - اللي قتل نسمة، هي أختها الأنسة يارا. صدم منصور، وقال ببطئ: ـ يارا، لا، أكيد في حاجة غلط، هي بتحب أختها، إزاي يعني تقتلها؟ بدر بشفقة عليه: ـ للأسف ده اللي حصل، يارا اعترفت بكده والسبب؛ إنها بتغير من أختها وذكرت إن معاملتكم ليها أحسن منها، فخنقتها بالطرحة اللي كانت على كتفها. لم يتحدث منصور بشيء، بل تراجع إلى الوراء وجلس. خرجت يارا من الغرفة وجانبها هشام وما أن لمحت أهلها جالسون، ركضت نحوهم وببكاء جلست على ركبتيها وأمسكت بيد أباها قائلة: ـ يا بابا أرجوك متسبنيش، أنا مش عارفة عملت كده إزاي؟ تركت يده، فتمسكت بيد والدتها: ـ ماما أرجوكِ، قولي حاجة، أنا كمان بنتك يا ماما، أرجوكِ إعملي حاجة، دي كانت لحظة شيطان، مكنش قصدي أني أقتلها. كانت والدتها جالسة، وكان الدمع يتسابق على وجنتيها والقلب يعتصر ألمًا من الداخل، كأنها ترفض الحياة والعالم أجمع، لا تريد سماع أي صوت، تريد فقط رؤية ابنتها، ولكن كيف ذلك؟ فالحياة بابان، واحد للدخول، والآخر للوصول، وبالمنتصف طريق الوصول للنهاية. أمسك الشرطي بيد يارا يحاول سحبها، فقالت بصوت أشبه بالصراخ: ـ أنتوا السبب في قتلها، هيا كانت كل حاجة بالنسبالكم وأنا ولا حاجة، أنتوا اللي زرعتوا قلبي بالكراهية والغيرة تجاها؛ بسبب المعاملة، أنا بكرهكم كلكم، أنتوا ولا حاجه بالنسبالي. خطأ واحد غير مقصود استطاع أن يدمر كل شيء، فعليك أن تكون حذرًا في تربية أولادك.