الشعور بالندم قاتل، وتأنيب الضمير مميت، ولكن إن كان بداخلك هذا الشعور، فتأكد بأن قلبك مازال عامر بالخير والنقاء. عزمت فرح على إخبار والدتها عما حدث؛ لكي تتخلص من هذا الشعور والكابوس الذي يُـروادها، تقدمت من الغرفة فتحت باباها وبخطوات ثقيلة وقفت أمام والدتها وهي نائمة على الفراش، التردد كان حليف اللحظة، مدت يداها؛ لتوقظ والدتها وهزت كتفها، لتنظر لها والدتها يأعين متثاقلة من أثر النوم، اعتدلت في جلستها و ابتعدت قليلًا لتقول: -تعالي يافرح اقعدي، في حاجة حصلت؟ جلست فرح بجانبها وقالت ببطء: -ماما، أنا قررت أقولك كل اللي حصل معانا في الرحلة. نظرت لها والدتها بتمعن وأمسكت يدها؛ لتبث بداخلها الأمان وتابعت: ـ قولي ياحبيبتي. قصت لها فرح عما حدث والدموع تتساقط من عينيها عن كيف وجدت صديقتها بالغرفة مقتولة وانتهت بكيف قاموا بدفنها خلف المنزل بقليل. صاحت والدتها قائلة: -يعني نسمة أتقتلت، ومحدش عارف مين اللي عمل كده، وكمان أنتِ مشتركة معاهم فكل ده. فرح بصوت ممزوج بالبكاء: ـ والله يا ماما أنا كنت بموت من الخوف من جهة نسمة صديقة عمري ومن جهة تانية الخوف اللي كان بيأكل في قلبي، كان كل همي وقتها إني أبعد وأمشي عن المكان ده. وضعت والدتها كفيها على وجهها تحاول السيطرة على غضبها وقالت: دي مصيبة، يابنتي مصيبة، ليه مقولتيش من الأول؟ نكست فرح رأسها للأسفل ولم ترد على حديث والدتها، لتتابع والدتها قائلة: ـ اسمعي من بكرة الصبح، هنروح قسم الشرطة تحكليهم كل اللي حصل. ردت فرح بقلق: ـ لا يا ماما، أنا ممكن أتحبس، أنا خايفة. غمغمت منال في هدوء: -وأنتِ متخيلة أني هعمل حاجة تأذييكِ، من بكرة هكلم المحامي وأحكيله كل حاجة ونأخذك ونروح وهو هيبقا معانا. أومأت فرح رأسها باستسلام، فقالت والدتها: -يلا تعالي نامي جمبي النهاردة. استلقت فرح بجانب والدتها وأخذت منال تربت على كتفها وبعد قليل من الوقت خلدت إلى نوم عميق. غاب الليل بظلمته وجاء الصباح بإشراق شمسه ودفئها، ولكن كانت قلوب أبطالنا تتملكها الخوف والقلق. في البناية التي يسكن فيها علي كان يتململ في فراشه بعدما استمع إلى أصوات الطرقات المزعجة على باب شقته، فاعتدل في جلسته وهو يقول بامتعاض: ـ جاي ياللي بتخبط، جاي. وقف مترنحًا من أثر النوم، وهو يفرق عينيه بيده، وفتح الباب، فتفاجئ برجال الشرطة أمامه، فتقهقر للخلف مصدومًا، وتقدم الضابط قائلاً: ـ أنتَ علي فتحي؟ دب القلق في قلب علي حتى أخذت ضربات قلبه تتسارع، فهز رأسه قائلًا: -أيوة أنا. الضابط بصرامة: ـ مطلوب القبض عليك. تحلت الصدمة على وجهه وقال: ـ ليه؟ أنا معملتش حاجة. أشر الضابط بأصبعه على الشابان الذين جاءوا معه قائلًا: ـ يلا، هاتوه. أمسكوا علي رغم محاولات إفلاته ومعرفة ماذا يحدث؟ صعد معهم بالسيارة وألتزم الصمت. بعد قليل توقفت السيارة أمام قسم الشرطة وفي طريقهم بالممر وجد علي فرح، ووالدتها، وشخصًا معهم يخرجون من أحد الغرف، فصاح قائلًا: ـ فرح أنتِ بتعملي إيه هنا؟ تحدثت فرح قائلة: ـ أنا مقدرتش أسكت وحكيتلهم عن كل حاجة يا علي. علي بصوت أشبه بالصراخ: ـ منك لله يا شيخة. نظرت فرح لوالدتها بأعين ممتلئة بالدموع، فربتت والدتها على كتفها قائلة: ـ اللي أنتِ عملتيه هو الصح يابنتي. "في منزل يارا" كانت سميرة جالسة بصالون المنزل وبجانبها زوجها، فقالت: ـ منصور اتصل على الضابط هشام اسأله إيه الجديد؟ يمكن عرف حاجة عن نسمة. أومأ منصور قائلًا بتريث: ـ ياحبيبتي ما هو لو عرف حاجه كان هيبلغنا بكده. سميرة بقلبٍ مكلوم على ابنتها الضائعة: ـ عشان خاطري كلمه أنتَ، يمكن عرف حاجة، خلي قلبي يطمن. خضع منصور لطلبها قائلًا: ـ حاضر هكلمه؛ عشان تطمني شوية. جذب هاتفه الذي كان أعلى الطاولة أمامه وضغط على شاشته لتضيء وأخرج رقم الضابط هشام و أتصل به . بعد قليل آتاه صوت هشام قائلًا: ـ أهلًا منصور بيه. رد عليه منصور: ـ هشام باشا كنت عاوز أسأل لو في أي معلومات عن بنتي نسمة، مفيش خبر راحت فين بعد ما رجعت من نص طريق الرحلة؟ رد هشام : ـ اللي عاوزك تعرفه والمتأكدين منه إن نسمة كانت معاهم في الرحلة، وأنا حاليًا في طريقي لبيت حضرتك؛ عشان أسأل أنسة يارا كام سؤال. استقام منصور واقفًا، وقال: ـ يعني إيه الكلام ده يا هشام باشا. وقفت أيضًا سميرة ودب الرعب بقلبها، فوجدت زوجها ينهي المكالمة وهو يقول: ـ تمام أنا في انتظارك. فدنت إليه سميرة قائلة بخوف: ـ قولي في إيه؟ قالك حاجة عن نسمة؟ منصور بصرامة: ـ هنعرف دلوقتي وأبعد يدها عنه ونادى بصوتًا عاليًا على يارا. هبطت يارا من أعلى درجات السلم ووقفت أمام أبيها وقالت: ـ أيوة يا بابا في حاجة. منصور بحدة: ـ أختك نسمة فين؟ تلعثمت يارا في حديثها قائلة: ـ مش عارفة يا بابا، أنا قولتلك اللي حصل، هي رجعت من نص الرحل..... صفعها والدها على وجهها قائلًا: ـ أختك نسمة راحت معاكم، قولي إيه اللي حصلها هناك حالًا؟ تحسست يارا وجهها الذي زاد احمرارًا وتورم، فنظرت لولدها بأعين دامعة ولم تنطق بشيء. بينما اقتربت منها والدتها وحاوطت كتفها قائلة بحنان أم: ـ إيه اللي بتعمله ده يا منصور؟ مش كفاية قلبي موجوع على وحدة. نظرت يارا قائلة لوالدتها: ـ أنتِ عمر قلبك ما اتوجع عليَّ، دائمًا كل حاجة عندكم نسمة، هي الأحسن، هي الأفضل، كل حاجة نسمة وبس، لو أنا اللي ضايعة كنتِ هتبقي بالحالة دي؟ كادوا أن يردوا عليها، فقاطعهم صوت الضابط هشام الذي جاء منذ قليل وشاهد ما حدث. هشام: ـ منصور بيه. التفت الجميع للخلف، وقال منصور: ـ اتفضل يا هشام باشا. كادت يارا أن تصعد للأعلى ليقول هشام: ـ أنسة يارا. وقفت يارا ونظرت له فتحدث هو: ـ محتاج أسألك سؤالين على انفراد. يارا ببرود: وأنا مش فاضية. تحدث هشام بصرامة قائلًا: ـ أنا مش بخيرك يا أنسة، لولا والدك ما توصي عليه من اللواء جلال باشا، أنا زماني قابض عليكِ. دب الرعب بقلب يارا وشحب لون وجهها وأومأت برأسها بالموافقة. منصور: ـ اسألها يابني هنا، ليه على انفراد؟ التفت إليه هشام قائلًا: ـ بعد إذنك يا منصور بيه، خاليني أشوف شغلي. منصور: تمام وتابع وهو يؤشر على غرفة بجانب السلم أتفضل أدخلوا هنا. تقدمت يارا وهشام و ولجا للغرفة. وقالت سميرة لمنصور: ـ فهمني إيه اللي بيحصل هنا، إيه علاقة يارا باختفاء نسمة؟ في قسم الشرطة كان جالس علي وضابط أمامه تفصل بينهم طاولة ويغمغم الضابط بصرامة: ـ لو مش أنتَ القاتل، ليه رجعت للبيت؟ عشان تدور على تليفونها وتخفي أخر دليل على أنها كانت هناك. ابتلع علي ريقه بخوف وهو يقول: ـ والله أنا قولتلك كل اللي حصل يا باشا، أنا كمان اتفاجأت بموت نسمة زي فرح ورجعت أدور على التليفون عشان البيت ليا و أكيد كنت أنا أول حد هيتشك فيه. خبط الضابط على الطاولة بقبضة يده، فانتفض علي وتابع الضابط قائلًا: ـ وإزاي جثة البنت انتقلت للأوضة اللي كانت فيها أختها؟ علي بذعر: ـ اللي عمل كده وائل، هو كان معانا في الرحلة ويبقا ابن عمي، نسمة ماتت في الأوضة اللي كان هيبات فيها هو، وقالي أنه خاف لما شافها ميتة؛ عشان كده نقلها. استمع الضابط لرنين هاتفه، ففتح المكالمة واستمع إلى الجهة الأخرى دون أن يتحدث هو بشيء، ومن ثم أغلق المكالمة، ومال بجزعة للأمام؛ ليصبح وجهه مقابل لوجه علي، وقال: ـ لاقينا جثة البنت مدفونة ورا البيت وهنبعت للقبض على وائل، الحقيقة قربت تنكشف خلاص. وصُعق علي وهو يتراجع لظهر المقعد، متسع العينين.