كل شيءٍ انقلب رأسًا على عقب، الرحلة أصبحت كفيلمًا مرعبًا أبطاله سقطوا بداخله، كبئر غويص لا يعرفون كيف النجاة. وائل: ـ انتوا بتهزروا يجدعان، مفيش حد في الأوضة. أحتلت الصدمة ملامحهم عند سماع جملة صديقهم، وركضوا جميعهم باتجاهه، نظروا بداخل الغرفة، ولكن لا أثر، كأن الارض انشقت وابتلعتها. فهتفت فرح بذعر وهي تنخرط في بكاء: ـ إيه اللي بيحصل ده؟ صاحت يارا قائلة: -معقول ده كان حلم وأختي عايشة. نقل علي بصره بينهما في حيرة، وقال بحدة: ـ حلم إيه أنتِ كمان، أنا متأكد أنها ماتت، في حد نقل الجثة، ده التفسير الوحيد للي بيحصل. هز وائل رأسه بعدم تصديق وغمغم: ـ يا جماعة أنتوا مصدقين اللي بتقولوه ده؟ ما يمكن نسمة عايشة ومفيش حاجة من ده كله. أجابه علي بتريث: -وائل إحنا شوفنا ده بعيونا، فهمت، نسمة ماتت، دلوقتي خلينا كلنا ندور على الجثة، أكيد هنلاقيها مش هتختفي يعني. وافقته يارا الرد قائلة: ـ تمام خلينا كلنا نتفرق وندور. ذهب كل منهم باتجاه، ولم يمر الكثير من الوقت ليتلاقوا فرح ويارا بمنتصف المنزل وبادرت يارا قائلة، وهي تلتقط أنفاسها: -لاقيتي حاجة؟ نفت فرح: ـ لأ، الشباب جم؟ هزت يارا برأسها يمنى ويسرى نافية. جاءوا الشباب بعد قليل فتحدث علي قائلًا: ـ مفيش أثر ليها، كأن الارض أنشقت وبلعتها. وائل بملامح باهتة وبصوتٍ خائف: ـ أنا مش فاهم أي حاجة. رد علي عليه وهو يهز كتفيه: ـ أسمعوا كويس، أحنا كلنا بكرة هناخد بعضنا ونمشي من هنا، ولو حد سألنا فاحنا منعرفش أي حاجة عن نسمة، هنقول إنها غيرت رأيها في نص الطريق ورجعت، تمام. أومأ الجميع برأسه، فتحدثت فرح والخوف يظهر بصوتها: -يارا أنا ممكن أبات معاكِ النهاردة بس؛ عشان حقيقي خايفة جدًا. اومأت يارا: -آه يا فرح، تمام تعالي ندخل. توجه كلًا منهم إلى غرفته. "بغرفة الفتيات " تحدثت فرح وهي تؤشر على دورة المياه، قائلة: -أنا هدخل الحمام، تمام. جلست يارا على الفراش بتعب وغمغمت قائلة: ـ تمام. أخرجت هاتفها لتظهر على شاشته صورة تجمعها بشقيقتها، فضمت الهاتف إلى صدرها وفرت بعض الدموع من عينيها، لم تظل على هذا الحال طويلًا، فتركت هاتفها على الفراش وتقدمت إلى خزانة الملابس، فتحت ضلفتيها لتسقط جثة نسمة عليها، وصرخت صرخة رجت جدران المنزل. خرجت فرح على صوتها مذعورة، وقبل أن تسأل ما بها، رأت جثة نسمة الملقاه أمام يارا، فوقفت ثابتة وكأنها قد شُلت عن الحركة. ولجا الشابان دون الطرق على الباب وتفاجأوا برؤية جسد نسمة الملقي أرضًا. فصاح علي وهو متسع العينين وفاغرًا فاه: -هي إزاي جت هنا؟ تمتم وائل مندهشًا: هي نسمة ماتت، يعني ده حقيقي؟ نظر علي بينهما وقال: ـ مفيش حل واحد غير أننا نخفي الجثة. نظرت له يارا باشمئزاز قائلة: -أنت إزاي بالبرود ده، كل همك أننا نخلص من جثتها ونخفيها. رمقها علي بنظرة إذراء، ورد: ـ لأن كلنا هنتبهدل يا هانم، مين ما كان القاتل، كلنا هنضيع وتحت أسمائنا هيبقا خط أحمر، أنتِ اللي لازم تفوقي وتفهمي أختك وماتت. أشاحت يارا رأسها ولم تنبس ببنت شفة. فقالت فرح والذعر يظهر على ملامحها: ـ أيوة علي عنده حق خلينا نخلص من الجثة دلوقتي. نظرت لها يارا بصدمة، بينما نظرت فرح أرضًا بخجل مما تفوهت. وجه علي حديثه لوائل قائلًا: ـ وائل تعالى خلينا نجيب ملاية، ونلبس جونتي في إيدنا، ونلفها، وندفنها ورا البيت. كان نظر وائل متعلق على جسد نسمة. فصرخ علي باسمه، فأنتفض ونظر إليه. فتابع علي حديثه وهو يتقدم للأمام: ـ يلا خلينا نمشي. غادروا الشابان الغرفة. فحدجت يارا صديقتها بعتاب. فرح بخجل: ـ أنا عملت كده من خوفي يـا يارا، ممكن اللي عمل كده في نسمة يعمل كده فينا إحنا كمان، لما يلاقينا مش مشاركين في جريمته. جلست يارا على الفراش وتحدثت: ـ أنا لحد الآن مش مستوعبة هو إيه اللي بيحصل ده؟ أنا بجد مش فاهمة حاجة، أنا دلوقتي هدفن أختي الوحيدة وهمشي كده كأنه مفيش أي حاجة حصلت. فر الدمع من أعين فرح، وهي تقول مطرقة الرأس: ـ ده غصب عننا مفيش فإيدنا حاجة، نسمة غالية عليَّ أوي، بس أنتِ عارفة إنه ممكن إحنا كمان نتقتل زيها كده، أنا الخوف مسيطر عليَّ أوى. كادت يارا ان ترد على حديثها، فقاطعهم دخول الشباب. افترش وائل الملاءة أرضًا وحملوا جسد نسمة مقابل بعضهم، وألقوا الملاءة من الطرفين؛ لتغطي الجسد وقاموا بحملها للخارج والفتيات خلفهم. قاموا بحفر حفرة تسع جسد نسمة ووضعوها داخلها، ثم هالوا عليها التراب. جلس علي بتعب أرضًا وتحدث قائلًا: كأنه كابوس وانتهى. فرح: ـ مفيش حاجة انتهت، أنا عاوزة أمشي من المكان ده. رد عليها وائل: ـ أول ما يصبح الصبح كلنا هنمشي من هنا، تمام. استقام علي واقفًا ليقول: -مجبورين أننا نستحمل الكام ساعة دول، خلينا ندخل يلا. دلفوا جميعًا للداخل دون أن ينطق أحد ببنت شفة. جاءت الساعة السادسة صباحًا، استيقظوا جميعًا، وأبدلوا ثيابهم، وجمعوا أغراضهم بالحقائب، اجتمعوا جميعًا بصالون المنزل وكلًا منهم ممسك بحقيبته. قاطع علي صمتهم وهو يقول: ـ دي هتكون أسوء ذكرى مرت علينا، ويمكن بعد اليوم ده مش هنشوف بعض تاني، خلونا ننسى كل حاجة ونكمل طريقنا. ردت عليه يارا: ـ أهلي مش هيسكتوا، دول هيقلبوا الدنيا عليها. هز علي رأسه وهو يجيبها: ـ المهم أنهم ميعرفوش أنها كانت هنا، تمام. غمغمت فرح: أنا ويارا هنرجع مع بعض بعربيتي، تقدروا أنت ووائل تمشوا مع بعض. وائل: -متأكدين، أنا ممكن أكون معاكم. يارا: -لأ، هنمشي لوحدنا. علي ببرود: -سيبهم على راحتهم يا وائل، يلا خلينا نمشي عشان أقفل البيت. خرجوا جميعًا من المنزل وصعدوا الفتيات بالسيارة وانطلقوا، وأغلق علي المنزل وذهبا خلفهم هو ووائل. بسيارة علي ووائل كان الصمت برفقتهم ليتحدث وائل قائلًا: -علي وقف العربية. نظر له علي باستغراب، وهو يسأله في تعجب: -في إيه؟ تمتم وائل وهو يزرد لعابه: ـ أنا عاوز أعترف لك بحاجة سأله علي بقلق مبهم: ـ بخصوص إيه؟ قال وائل بخوف: ـ بخصوص قتل نسمة. ضغط علي فرامل السيارة ما أن اخترقت العبارة أذنه، لتصدر صوتًا مخيفًا، ونظر له بشك، وهو يقول بحذر: ـ أنت اللي قتلت نسمة؟