نهض ليث عن سريره متحاملا على نفسه يقتله الفضول ليسمع حديثها الهاتفي مع دكتورتها، فخطى على باطن قدميه على مهل وفتح الباب بهدوء لينساب صوتها من غرفة الاستقبال ¤آسفة دكتورة، ظروفي لا تسمح لي بالمجيء وأنا محتاجة لأتكلم معك. لم يسمع الدكتورة التي ردت بلطف ¤ لا بأس ورد سلامتك أهم ...تحدثي وأنا أسمعك. شعر بنبرة صوتها كأنها على وشك البكاء وهي تعبر عن مشاعرها ¤تعرضت لأزمتين شعرت فيهما بإحساس بشع لم أتحمله وللحظة كنت سأستلم ليأسي. فهم بأن الدكتورة تستفسر عن الأزمتين لأنها شرعت في سرد حادث إطلاق النار وقبلها فعلة رهف، فأشفق عليها حين قالت وقد تهدج صوتها من أثر البكاء ¤لقد سقط بين يدي بعد أن أفداني بحياته ودمائه سالت على حجري. شهقت بحدة حتى هم بالتقدم نحوها لكنه تسمر حين سمعها تضيف : لا لم أشك بوفائه ولا لحظة مع أن الشيطان وسوس بأذني لكن حين رأيته ممددا على سريرها ذاتي وكياني رفضا ذلك وأخذاني إليه و طلبا مني إيقاظه ورؤية الخيانة بعينيه لكي يصدقا. صمتت قليلا ثم قالت وقد بدأت بتمالك أعصابها ¤أشعر أنني بحاجة إلى العمل...على قدر ما كنت أهرب به من عقدي على قدر ما كان يساعدني في تصفية دهني. صمت آخر ثم تحدثت من جديد ¤لا أظن ليث يمانع فقط سيطلب تأجيل الأمر لحين انتهاء القضية. تعب لكنه تحامل أكثر وأسند نفسه بدفة الباب يسمع قولها ¤ماذا سأفعل؟ طبعا سأنصاع لأمره فهو زوجي وطاعته واجبة خصوصا إن كان ما يطلبه لا يخالف الشرع لكن ليث لا أظنه سيمانع، فهو يعلم بعملي قبل أن يتزوجني ...ولم يكن ممانعا. ابتسم لثقتها التي لا تنتهي به، لا تعلم بأنها تحمله مسؤولية أكبر ليكون على قدر ثقتها ثم استدار حين سمع تحية وداعها ليستلقي على سريره متخم بنشوة السعادة التي منحته إياها باعترافاتها بحبه وأهميته بحياتها قبل أن يجفله صوت والده المسرور : أسأل الله أن يديم هذه البسمة على ثغرك. اتسعت بسمته لتشمل وجهه وتناول يد والده الذي جلس بجانبه على السرير يقبلها بينما الأخير يضيف بمكر مرح ¤ لن أسال عن سبب السعادة على وجهك لأن الجميع يعلم ...لكن سأسألك عن صحتك بني، كيف تشعر؟ رد عليه متنهدا وهو يربت بكفه على ذراعه المصاب يعلقه بحامل طبي ¤هل تصدقني إن أخبرتك بأنني شاكر لتلك الرصاصة التي أصابت كتفي؟ ضحك والده معقبا :طبعا، فالله قال في كتابه الكريم (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كثيرًا: النساء) هز ليث رأسه مؤكدا، فاستطرد والده بضحكة ماكرة أرجعته إلى صغره حين كان يتفق معه على خطة ما لتنفيذ مقلب مرح ¤هناك زائر قادم بحجة رؤيتك مع أنني متأكد أنه قادم من أجل شخص آخر. استغرب ليث يرمقه بحيرة فأخبره ¤ ناصر مجران ...تحدث معي واستأذن ليزورك فخبر الحادثة قد انتشر عبر وسائل الإعلام. رد عليه ¤ إذا كنتُ من يدعي رغبته بزيارته، فمن يقصد حقا! ضم شفتاه بمكر قبل أن يجيب: بيان. ضحك ليث ما إن استوعب، معقبا بمرح ¤ آه وقع بين يديك إذن! ....ماذا؟ هل وقع الفارس بغرام من أنقذها؟ بسط كفه وحركها قائلا : أظن ذلك. فقال ليث مازحا ¤وأنت بنظرتك الماكرة هذه ستلعب دور الخطابة؟ ضربه بخفة على كتفه، فتصنع ليث الألم يسمع قول والده الزاجر بمزاح ¤ خطابة! احترم نفسك يا ولد! أنا والدك. علت ضحكات ليث يخبره ¤ أبي الحبيب تكلم وأخبرني ماذا تريد؟ وسأساعدك. دنى منه مدعيا خطورة الأمر، يهمس له ¤ نريد إثارة غيرته وبما أنه حضر المشهد الدرامي بينك وبين والدتك في المشفى، فأنت أفضل شخص للمهمة وسأتفق مع جدتك لتلهي زوجتك حتى لا تقلب عليك وتضربك برصاصة بنفسها. أمسك خصره من شدة الضحك ورفع يده ليسكت والده عن إضحاكه ¤ آه يا أبي ستفعل بي ما لم تفعله الرصاصة، يكفي أرجوك. ادعى والده الجدية وقلبه يحلق سعادة، يشعر بها كلما عاش لحظات مرحة مع فلذة كبده، يتأمل فيها سعادته ولقد غابت عنهما لمدة طويلة وعادت بفضل الله ثم بسبب تلك الفتاة التي أصبح يخاف عليها من التهديد المحدق بها، لأنه لا يتخيل انهيار ابنه لو حدث لها خطب ما واختفت من حياته. ¤كن جديا ليث، أسعى لتزويج بيان فأنا لاحظت نظراتها التي خانتها نحوه في حضوري وغايتي تحريك المياه الراكدة ...فأنا سألت عنه واتضح بأنه إنسان محترم بتعاملاته في السوق بغض النظر عن تعجرفه الذي يحاول أن يعامل به الناس. أومأ ليث يجيبه بمكر، فأصبح نسخة عن أبيه : حاضر أبي كما تريد... أخبرني فقط إلى أي مدى يسمح لي بالتمادي. يقف أمام منزل الجندي، لا يصدق بأن شوقه لعينين نجلاوين بلون البندق قد أرغماه على محادثة السيد يوسف، وبدل أن يطلب منه رؤيتها توتر على غير عادته واستأذن لزيارة ليث. أرشدته الخادمة إلى غرفة الضيوف حيث ينتظرونه فخطا يلحق بها بينما يتفحص المكان حوله بانبهار يجيد التحكم به، فمهما كان بيت عمه الذي كبر فيه راقي، فإن هذا المنزل يفوقه عراقة ورحابة وحتى ذوق أثاثه يشعر النفس بالدفء. لمح السيد يوسف الذي وقف ما إن دخل عليهم فتبسم بكياسة واستقبلوه برحابة حتى السيدة زهرة التي شكرت له صنيعه، فيتلفت حوله كل لحظة يتوقع رؤيتها لكنها لا تظهر تاركة قلبه يضرب بأقصى سرعته في صدره حماسا وترقبا حتى والسيد يوسف يرافقه إلى جناح ليث الذي استقبله في غرفة استقبالها، صافحه بحرارة كأنه يعرفه منذ زمن ثم أشار له ليجلس يذكر له تأثره بصنيعه وبذل حياته من أجل ابنة خالته بيان وعلى ذكرها التفت ليث إلى والده يقول بمكر ¤ أين تلك الجميلة، لا تدعوها تمشي كثيرا على رجلها المصابة، لقد طردتها من هنا بمعنى الكلمة صباحا حتى تريح نفسها إبتسم والده حين لاحظ جبين ناصر المقطب، يضيف بدوره ¤أنت تعلم قدر معزتك لديها ..عندما أخبرتها صدمت كليا فأصرت على رؤيتك في الحال لتطمئن عليك. احمر وجه ناصر يتدخل بحدة لم يقصدها فاجأتهما وأكدت صدق تكهن السيد يوسف ¤ طبعا، فهي تعتبرك أخوها الذي تربت معه، أليس كذلك؟ هزا رأسيهما معا، فأكمل وهو يشعر بدمائه تغلي بعروقه ¤ بالمناسبة أين الآنسة؟ أووه! أنا آسف، أقصد السيدة ورد؟ التفت ليث إلى والده كأنه يستنجد به فقال باسما ¤إنها مع أمي، شكرا لك. فتجرأ يسأل ¤ و الآنسة بيان كيف حالها؟ ...هل أستطيع رؤيتها؟ أخفى ليث ضحكة مرحة وقام السيد يوسف مجيبا ¤ طبعا بني، تفضل! صافح ليث مودعا، يسر لقلبه لهفة رؤيتها. تتأمل البحر على سور الشرفة تقضم أظافرها متوترة من وجوده بالمنزل، تريد رؤيته بشدة والشوق يضنيها للجيئل، أسرعت دقات قلبها حين التفتت إلى زوج خالتها الذي قال والثاني يراقبها بوله ¤ألم نحذرك من كثرة الوقوف على رجلك لمَ أنت بهذا العناد؟ تلبكت وحاولت التقدم ففقدت توازنها وتحرك بسرعة نحوها عكس هيئته ليسندها ويجلسها على الكرسي يشم عبيرها مستغلا قربها منه، سكنت كعادتها قربه تنظر إليه بشوق لولا نحنحة السيد يوسف الذي خطا تجاههما يدعي البرود مما جعل ناصر يتوتر بكل ضخامته ويبتعد إلى الكرسي المقابل يحتله ¤أرأيت؟ لولا السيد ناصر بعد الله كنت وقعت وانكسرت رجلك الثانية. والتفت إلى ناصر يكمل بتهكم *يبدو أنه قدرك انقاذها كل مرة. ابتسم الاثنان بتشنج يحل عليهما صمت يتخلله صوت أمواج البحر كسنفونية ناعمة تهدهد قلبيهما إلى أن كسرته السيدة زهرة بينما تدخل بالضيافة. يتبادلان النظرات وقد أطارت صوابه بخصلاتها التي أطلقت سراحها، يلعب بها هواء البحر، فجأة حل عليه مشهد تنقلها بهيئتها تلك بين أرجاء البيت حول ابن خالتها الوسيم ذاك، فسولت له نفسه بأنها قد تعجبه يوما ما، فهي جميلة "جميلة" ألم يقلها ليث بلسانه؟ ...انطلق لسانه من فمه دون إذنه لكن بتصريح من قلبه يفاجئ نفسه قبل الحاضرين ¤أنا أتقدم بطلب لخطبة الآنسة بيان. شهقت بيان وخالتها بينما السيد يوسف يبتسم بظفر ، يقول ¤مرحبا بك بني نستشير العروس ونبلغك إذا وافقت لتحضر عائلتك. عاد إلى المنزل بعد أن أنهى عمله واطمأن على صديقه ينهكه التعب مشتاق إلى سريره لينام، لمح طيفها في عتمة الحديقة فاستغرب عدم نومها بعد، خطا نحوها فلاحظ سكونها، اهتز قلبه خوفا فأسرع إليها ليزفر حين اكتشف نومها على الكرسي، اقترب منها وجلس بجانبها، فمد يده ولمس خدها ثم رفعه قليلا إلى جبهتها ليتوقف عند حاجبيها، فتذكر أول مرة رآها وجذبته بلون حاجبيها الأحمرين، لمسهما بإبهامه فتململت وفتحت عيناها. نظرت إليه ولم تتحرك من مكانها هامسة له بصوتها العذب ¤لماذا تأخرت؟ ابتسم يسألها : قلقتِ علي؟ تجاهلت سؤاله، تنهي سيل استفساراتها ¤ لم تنم منذ البارحة ....هل أكلت شيئا؟ هز رأسه، مجيبا بتعب: أنا جائع لكن للنوم فقط. همت لتقوم عن مكانها، فأمسك يدها يهمس برجاء ¤ هل أعجبتك هديتي؟ أطرقت برأسها خجلة تومئ باسمة بخجل، فاستطرد ¤ الحجر جلبته بلون عينيك وصفاء قلبك والقصيدة رسالة اعتذار مني ...فهل سامحتني؟ رفعت رأسها ترمقه بألم والدموع تتدحرج على خديها تهمس بشجن حائرة بين قلبها وعقلها ¤ لقد جرحتني. اهتز صدره بألمها الذي طعنه كخنجر وأمسك يدها الأخرى يقبلهما، فارتعشت بينما هو يرجوها تفهم آلامه ¤لو لم أكن أحبك ما كنت غضبت وفقدت عقلي ورزانتي حينها، لقد كان تصرفي طائشا أعلم، لكن عذري أنني لم أكن بوعي خصوصا حين أكدتِ كلامها بعينيك فأنا أثق بهما كيف لي أن أعلم بالغيب حبيبتي؟ شهقت لا تعلم لماذا تبكي؟ أمن جرحه لها الذي لم تعد تشعر به أو خوفها عليه من الموت وقد أضحت تعلم خطورة عمله، تخشى أن يلحق بأهلها هو الآخر فتبكي بقلة حيلة. تضاعف ضيق صدره من بكائها، فاقترب منها أكثر يحاول تهدئتها ¤ حبيبتي لا تبكي! أنا آسف، لن أكرر خطئي فقط سامحيني وثقي بي من جديد. شهقت مرة أخرى تجيبه ببكاء حار ¤أنا سامحتك لحظة عدت لتتأسف مني بمنزل الخطاب. ابتسم هشام من تصرفها الطفولي يستفسر منها ¤ إذن لماذا هذه الدموع حبيبتي؟ ردت وهي لا تزال تبكي كفتاة صغيرة ¤لأنني اكتشفت بأن مهنتك خطرة ...ماذا لو كنت مكان ليث؟ ثم رفعت يدها تحركها إشارة للنفي ¤هذا لا يعني أنني سعيدة لأن ليث من أصيب ..لكن أنا خائفة عليك، لن أتحمل موتك أنت أيضا، لن أتحمل! لم تبرد نار حزني بعد على والداي! أشارت إلى قلبها تستطرد بلوعة ¤هنا يحرقني من الخوف و الرعب. كان قد فقد كل تحكم بنفسه مع حركاتها واعترافاتها يلثم دموعها نزولا إلى أن بلغ شفتيها فعانقهما بلهفة، دهشت بداية لكنها ما لبثت أن استسلمت له تنشد منه الأمان ووعودا للأسف لا يملك البشر سلطة الوفاء بها، فبثها هو حبه وعشقه لها ووعدها بحمايتها مادام في صدره نفس يدخل ويخرج. ابتعدا عن بعضهما حين احتاجا للهواء، فانتفضت محمرة تفر من أمامه بينما هو ألقى بثقله على الكرسي الذي كانت تغفو عليه قبل قليل يلهث فرط شعوره الثائر إنه مغرم حد الثمالة لا محالة! ****** بسط يده إشارة لها بالاقتراب، ناظرا إليها باعتذار عن تصرفات والدته الشبيهة بفتاة صغيرة تغار على دميتها من صديقاتها، تفهمت قصده فاندست تحت الغطاء وهمت بوضع رأسها على صدره لولا أنها تذكرت إصابته، فسألته بقلق ¤هل سيؤلمك؟ ابتسم يسحبها فوق صدره، يجيبها ¤ لا، إنه الجانب الآخر الذي يؤلمني. صمتا قليلا وهو يمسد رأسها، يشم عبيرها الذي بدأ يدمنه، فتحدثت تقاطع تلك الهالة الساحرة حولهما ¤ والدتك لا تضايقني نهائيا. ثم التفتت إليه تطالعه بنظراتها المتفقدة بحب ولهفة، تهمس بتوتر : إنها تغار عليك و يحق لها. هوت مقلتاه إلى شفتيها معقبا بنفس الهمس وإن شابت نبرته بعض المرح :لما يحق لها؟ رفعت حاجبها الأيسر تجيبه بمراوغة ¤ لأنك إبنها البكر والذكر الوحيد المدلل لعائلة الجندي. ضيق عينيه باستنكار، يقول ¤ أنا؟ مدلل ...إذن عزيزتي أنت تحبين مدلل! أجابته بتلقائية أصبحت تفرض نفسها عليها مذ بدأت بتخليص أعصابها من الثقل الجاثم عليها ¤نعم أنا أحب مدلل وأفتخر بذلك. أخذ نفسا حادا قبل أن يحقق حلما لطالما راوده بجانبها يعانقها بشغف جمدها بثورته العاتية على مشاعرها المبتدئة لا تعلم كيف تتصرف؟ ضمها يشدها إليه أكثر، فارتبكت ترتعد توترا وارتباكا فابتعد عنها حين أحس بها، يتساءل بقلق ¤ هل آذيتك ...أنا آسف لكني لم ... سكت حين أشارت إليه، قائلة بتأثر فاضح لمشاعرها الوليدة بقوة طاغية ¤لا تتأسف ليث، كلما حاولت التقرب مني ...أنا فقط .... صمتت تنظر إليه بقلة حيلة، فعادت إلى مكانها على صدره حيث أمانها، تكمل ¤أنا أجرب أمورا لم أعرفها من قبل و بعضها عادت للسكوت فحثها بحنو ¤ تحدثي ورد....ثقي بي وتكلمي حبيبتي. تنهدت و دمعت عيناها رغما عنها تحاول الشرح ¤ بعض تلك الأمور بين الرجل والمرأة تعرضت لها بعمر صغيرة، فأشعرتني باشمئزاز لهذا أخاف منها الآن .... شعرت بتصلبه لكنها أكملت بينما تضمه بقوة دون أن تنظر إليه ¤ الطبيبة أخبرتني بأن خوفي ذاك وهمي وأن التجربة ستجعلني أتغلب عليه ....فلا تظن بأنه نفور منك ليث، إنه فقط خوف سيزول! قال بحقد لمع بعينيه فلمعتا بزرقة قاتمة ولم يظهره بنبرته الهامسة : رنا حمتك من تحرش الوغد، أليس كذلك؟ انتفض جسدها فشد بدوره على ضمها حتى استكانت بين يديه تهمس : أجل. لم يتحدثا بعدها كل منهما يحضن الآخر بصمت لا يعكس صخب أفكارهما إلى أن راحا في سبات عميق. **** في غرفة الجلوس بأثاثها التقليدي بقاع بيت الدكتور مفيد، يجلس مسترخيا على وسادة بحلته الرياضية التي دائما ما يلبسها في البيت واضعا رجلا على رجل، يتأمل أبناء أخواته يمرحون هنا و هناك، لا يزعجه صراخهم ولا مشاجراتهم، بل يبتسم لمرآى أخواته، كل واحدة منهن رزقها الله الذرية حتى آخر العنقود تشتكي لأخواتها من صعوبة الوحام، فحمد ربه يسأله أن لا يحرم أحدا من عباده نعمة الذرية أما النار المستشيطة بجانبه فقد طفح بها الكيل، تصيح بعصبية ¤يا الله! أسكتن أولادكن لقد ثقبن طبلة أذني الثانية! جمعناكن لموضوع مهم ألم تستطعن ترك أبنائكن لأزواجكن يوما واحدا! ثم إلتفتت إلى مفيد الباسم بكياسة لا يسمح لما يشعر به من فكاهة الموقف بأن يظهر على وجهه، تكمل بنزق ¤ صدقت حين عزفت عن الزواج، يكفيك هذا الشعب ببيتك! هتفت الشقيقة الكبرى 'شامة' باستنكار وقد دنت منهما تنضم لجلستهما على أرائك منخفضة تقليدية بأغلفة من خامة القطيفة السميكة الخضراء ¤ قولي ما شاء الله يا زينب! ضاقت عيناها بانزعاج ترد عليها قابضة بيديها على ركبتيها تأهبا :لماذا يا شمة؟ أتخشين عيني! أم الحسد لأنني عاقر! تلبكت شمة تقطب بحرج بينما زينب تكمل بنفس نزقها المعهود ¤ ثم أنا لم أقصدك أنت! فأولادك "ما شاء الله " كبروا حتى أنك ستزوجين كبيرهم "ما شاء الله " ولم تكلفي نفسك السؤال عن زواج شقيقك الذي هو أولى. هم مفيد بالتدخل، فصاحت شمة تتبرأ من قولها ¤من قال ذلك؟ اسأليه كم مرة فاتحته و تهرب مني ...وكم من صور جلبت له لمختلف الفتيات الجميلات من عائلات عريقة وصغيرات دون فائدة! تدخل مفيد أخيرا يعقب بهدوء ¤ لم يكن الوقت مناسبا، المهم لقد استخرت ربي ونويت إن شاء الله أن أتزوج، حتى أنني طلبتها من شقيقها وحصلت على موافقتهم لذا جمعتكن لأخبركن ولنحدد يوما لنزورهم به ونخطبها رسميا. افترت الثغور عن بسمات صادقة لسعادة رجل تحمل مسؤوليتهن كوالد حقيقي، فالصغيرة تناديه أبي لأنها لا تتذكر والدها الذي توفي وهي في عمر الثلاث سنوات، و لم تعلم لها والدا سوى أخيها مفيد. تحدثت شمة قائلة ¤ هل نعرفها أخي؟ من أي عائلة هي؟ رد عليها مفيد ¤ليست من معارفنا شمة، شقيقها صديق لي. هتفت زينب تتشدق متعمدة بفخر ¤ شقيقها رجل غني جدا وسيتزوج هو الآخر من عائلة غنية أيضا ومعروفة. رماها مفيد بنظرة زاجرة، فمطت شفتيها إلى الأمام بتذمر وسكتت على مضض، حركت شقيقته الوسطى نظارتها بينما تسأل بفضول : كم عمرها أخي؟ هم بالرد ليصمت بضيق حين هتفت شمة ¤طبعا شابة بالعشرين، فاتنة وعذراء. زفرت الدكتورة وصال بنزق، تجيب ¤ في العشرين؟ إنه فرق شاسع أخي، لا أنصحك بذلك. كان سيفتح فمه حين أغلقه بيأس وشمة ترد مجددا ¤ كلما كبرت المرأة قلت فرصها بالإنجاب. صاحت زينب و قد استبد بها الغضب ونفد صبرها ¤أسكتي أنت وهي! فصاحب الأمر موجود دعوه يتحدث، يا إلهي! ...نساء مِبَقَّة! عقدت شمة حاجبيها بعدم فهم بينما الدكتورة وصال تستنكر باشمئزاز ¤بنا البق؟ نحن يا خالتي زينب؟ جعدت زينب ذقنها مع أنفها لتجيب بتهكم بينما مفيد يضحك ملئ شدقيه ¤أقولها وأعيدها من قبل، جيل جاهل! وأنتِ تتشدقين بشهادتك العليا يا دكتورة، آه! سلام عليك يا لغة. تكلمت الأستاذة رقية، الشقيقة قبل الصغرى، تفسر بفخر تقصد أخواتها ¤الخالة زينب تقصد أنكن ثرثارات، فالرجل المبق لغة هو كثير الكلام. شهقت شمة تهم بالرد حين رفع مفيد يده، فسكتن جميعهن ليسمعن قوله وهو يمسح بضع دموع الضحك طرفي عينيه ¤كي نغلق هذا الموضوع، سأخبركم عنها ...إسمها أسماء ...سنها مناسب جدا لي، فهي على أعتاب الأربعين. ابتسمت الدكتورة وصال كما فعلت الأستاذة رقية برضا، عكس شمة التي عبست تعقب بضيق ¤لكن أخي متى ستنجب؟ رماها بنظرة عتاب يجيبها ¤ لاحظي يا شمة أنني أكبرها بعشر سنوات، ما عاينتها به فأنا أولى أن أعنى به، فدعي كل شيء لله فلا أفضل من تصاريفه. نهرنها بنظرات مستنكرة لقولها، فهي آذت حبيبهن الذي يعتبر والدهن قبل أن يكون شقيقهن فلملمت موقفها تعتذر ¤لم أقصد أخي أنت تعرفني جيدا، أحب أن تعوض سنين حرمانك. ابتسم مجيبا : كم مرة سأخبركن أن ما عشته معكن لم يكن حرمانا بل العكس، أنتن بناتي الحبيبات إلى قلبي و ما قمت به من رعايتكن لم يكن جميلا تحملنه لي على أكتافكن لكنه واجب علي و حق لكن، ما كنتن لتشكرن أبي رحمة الله عليه لرعايتكن فلماذا أنا؟ قامت إليه الصغرى سحر، تتشبث بعنقه مقبلة إياه على وجنتيه تتدلل عليه: أدامك الله فوق رؤوسنا أبي ....ومبارك لك، أنا متأكدة أنها فتاة فريدة من نوعها لتنال إعجابك. تبعتها الدكتورة وصال والأستاذة رقية وكذا شادية التي كانت تراقب بصمت، يقبلنه عل رأسه ويجلسن بجانبه وقد نحيين زينب دون وعي يبعدنها في المجلس حتى تأففت وقامت لتجلس بعيدا. نظر مفيد إلى شقيقته الكبرى التي لم تستطع اللحاق بأخواتها لخجلها مما تفوهت به، فبسط كفه يدعوها باسما بحنان لتقوم إليه دامعة العينين تضمه بحب تقول ¤ أنا أحبك أخي، أطال الله بعمرك ومبارك عليك ..سأخطبها لك أينما كانت وكيفما كانت، مادامت تعجبك. رفعت زينب طرف إبهامها تمسح دموعا سالت لتخفيها قائلة بحنق أضحك الجميع ¤نساء نِكَدِيات! ***** ¤إلى أين يا ياسين؟ التفت ياسين إلى هشام يجيبه بسبب مغادرته المركز قبل العملية التي استنزفت كل طاقاتهم وقد حان وقتها ¤إنها عادتي، قبل كل عملية أذهب لرؤية أهلي فأنت تعلم. صمت و أمال رأسه دلالة على قلة الحيلة، فهز هشام رأسه مؤكدا يجيبه ¤ حسنا لكن لا تتأخر، العميد على أعصابه و سينفجر بأي أحد. رد عليه متسائلا قبل أن يغادر ¤أنت لن تذهب لبيتك قبل المساء؟ أومأ له بلا يفكر أنه قابل والدته وأوصل أخته إلى جامعتها، أما حمراءه فتتهرب منه منذ أسقته من شهدها وتركته ضائعا خلفها يلهث كمجنون خضراء العيون. إبتسم لذكرى القصيدة فاستل هاتفه ليسمع نبرة صوتها على الأقل. ***** تأفف سمير مجددا يكتم حنقه من حماته أما شاهي، فتتوالى ألوان الطيف على صفحة وجهها حسب نوع شعورها بينما تراقب والدتها كيف تتفنن في إذلال خطيبها بألفاظها المستفزة المغلفة بلكنة الرقي حسب تفكيرها وكانت جملتها الأخيرة ما قصم ظهر شاهي لتنفجر بها ناسية وجودهم بأحد محلات الذهب الراقية ¤ ton goût... *ذوقك* قديم لا يعجبني. ¤ماما! نظرت إلى والدها الذي يكتم حنقه هو الآخر من تمادي زوجته، تبرق عيناه طمعا أمام غلاء القطع التي اختارها سمير لخطيبته التي من حظه السعيد تكون ابنته ¤ أقسم إن لم تغيري طريقتك هذه أمي سألغي كل شيء. انتفض والدها من مكانه ناسيا هو الآخر من حوله، يستنكر تهديد ابنته ¤تلغيه؟ لقد وزعنا بطاقات الدعوة! ثم التفت إلى زوجته ناهرا إياها بغضب ¤لا أريد سماع صوتك أبدا! جلست شاهي بضيق وسكتت على مضض أما سمير فقد هدأ غضبه يراقب شرسته كيف تدافع عنه، فاستقام واقفا يقول ¤شاهي كنت ذاهبة إلى الدار؟ ...هيا! سأوصلك بطريقي. قامت تخفي زفرتها المعبرة عن قرب نجاتها فتدخل والدها مستفسرا بحيرة ¤كيف تغادران ....ومن سيختار الحلي؟ مط سمير شفتيه بيأس واستدعى المسؤول ثم أخبر حماه ¤أرى أن شاهي لا تهتم لذا سنترك حماتي العزيزة لتختار son goût original*ذوقها الفريد* و سيد فاضل سيبعث لي الفاتورة. ثم انطلقا ليغادرا وتلكأ هو عندما بلغ مكان المسؤول، يهمس له بينما يغمزه : كما اتفقنا. أومأ له مؤكدا ثم غادرا، سألته شاهي في السيارة بملامح مستهجنة : سمير لماذا تركت لهما الخيار؟ سيقومان بإفلاسك. إبتسم بغموض، يجيبها ¤ لا تقلقي سنبلتي فليختارا ما يشاءان، تستحقين كل غالي. ضاقت عينا شاهي بريبة تسأله :ماذا تخفي سمير؟ أخبرني! ضحك بمرح يرد عليها ¤ أخبرت المدير أن يضخم أسعار الحلي التي نالت إعجابي، ويبعث لي بالفاتورة الحقيقية، فأنا متيقن بأنهما سيقتنيان أغلى القطع. ضحكت شاهي ثم رمقته برقة وأسف تعتذر ¤ أنا آسفة سمير، أعلم أنهما يثيران استفزازك لكن ماذا أفعل؟ هما والداي. لمعت عيناه بحب، يجيبا باسما بمرح بينما يقود السيارة ¤ أنت من يهمني سنبلتي وكل شيء أتجاهله من أجلك يا أحلى سنبلة. احمرت حياء لا تتعود أبدا على تغزله بها، تتهرب من نظراته نحو تأمل الطريق عبر نافذة السيارة. ***** توجه ياسين إلى ثانوية شقيقته ليقلها بطريقه إلى البيت حيث سيقابل بقية أفراد عائلته قبل أن يتوكل على خالقه إلى عملية المداهمة. ترك سيارته وأقترب من الباب عندما بدأ الطلاب بالخروج، فلمح شابا يافعا يوقف شقيقته يخبرها شيئا ما غامزا إياها بوقاحة لكنها لم تجبه ترفع رأسها بأنفة وهي تكمل طريقها. انقبض قلبه و غضب من الشاب الذي تجرأ على التعرض لشقيقته! همّ بالتقدم نحوه متوعدا لولا إدراكه يصدح بعتاب كهرب دماغه فجأة **ألم تفعل أنت؟ أم أنك نسيت شقيقة صديقك وزميلك ليث! على الأقل هذا الشاب لا يعرفك أما أنت، فليث يعتبرك أكثر من صديقه وشاركته الطعام** دهش من اكتشافه لمدى خطأه، تذكر وصية والده الدائمة حين يحذره دوما **يا بني إن أردت الحفاظ على شقيقتك، فحافظ على بنات الناس وتذكر دوما ( البِرُّ لا يَبْلَى ، وَالِإثْمُ لَا يُنْسَى ، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ ، فَكُن كَمَا شِئتَ ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ )** أقبلت عليه أخته متلبكة خوفا من ردة فعله المترقبة لكنها ضحكت حين تلقفها وقبلها على رأسها ثم ضمها بحنان، يسألها بحمية : هل يضايقك؟ أومأت بلا، تجيبه ¤إنه يمزح مع كل الفتيات ونتجاهله، لا يفعل أكثر من ذلك...إنسان تافه! ضاقت نفسه من وصفها كأنها تقصده، فاستغفر ربه و وعده بطلب السماح من صديقه وعدم تكرار فعلته بينما يسحبها إلى السيارة يخبرها ¤ إن ضايقك أحد ما لا تخافي! ...أخبريني وسأتصرف ...لا تستجيبي لطرقهم ولا لتهديداتهم سأصدقك أنت وأحميك منهم بعون الله. مالت نحوه داخل السيارة تقبل خده بحنان، مجيبة ببراءة الصبا ¤ لا تخف أخي، أختك بمئة رجل. **** بسطت يديها تسد عليه باب الجناح هاتفة بقلق وخوف معهما جدية حازمة :ليث أنت لم تشفى بعد، لن تخرج من البيت. ضم شفتيه بحنق لا يعلم كيف يقنعها ليخرج، فهو أبدا لن يفوت معركة القبض على المجرمين ولو ذهب زحفا ¤ حبيبتي أقسم لك أنا بصحة جيدة ولن أقوم بمجهود يذكر، سأذهب للمركز وأنتظر هناك. استغفر ربه سرا لكذبه عليها وهي تجيبه بتوسل ¤ قلبي منقبض ولن أدعك تخرج ....أرجوك حبيبي! تسمر مكانه يرمقها بحب، فاستغربت من تسمره الى أن همس بهمس وتأثر ¤ إنها أول مرة تقولينها بوجهي دون أن أكون نائما أو مصابا. اقترب منها فتلبكت واحمرت يمسك بذراعيها ليسحبها نحوه، يضمها برقة يستمد منها القوة لما سيقوم به، تسارعت أنفاسها مع دقات قلبها فأغمضت عينيها تستشعر لذة القرب منه إلى أن ابتعد عنها وهي لا تزال مغمضة العينين يبتسم بقلبه قبل شفتيه ثم طوقها بين ذراعيه هامسا بصدق ¤أحبك يا وردة حياتي ...إعتني بنفسك ولا تخرجي من المنزل حتى أعود إن شاء الله. انسحب مكرها تاركا إياها تتنفس بقوة مغمضة العينين وحين فتحتهما أخيرا همست لنفسها بينما كفها على شفتيها ¤ماذا يحدث لي؟ ***** أصدر العميد آخر أوامره قبل أن ينتشروا ليندس كل فرد مكانه يختبئ، فطوقوا الميناء بأكمله متنكرين ويبقي هو والضابط هشام و نقيبين آخرين لإلقاء القبض على رأسي الأفعى ما إن تصل سفنهما المرفأ، ليث هو الآخر يراقب الوضع من بعيد بمنظاره بعد أن أزال حمالة كتفه وقد تناول لا يعلم كم من قرص مسكن للألم، فهو أقسم على الانتقام من الحقير وابنه و لن يتراجع ولو على جثته. أعاد المنظار نصب مقلتيه فلمحهما واقفين على رصيف الميناء مع مجموعة من الرجال، دقق جيدا فعلم بأنهم مسلحين. هتف حلمي بنفاذ صبر وقد بلغت عصبيته مداها ¤متى ستصل السفن اللعينة! ألم تتأخر؟ رد عليه تامر بضيق ممزوج بقرف وهو يقف جواره على رصيف المرفأ ينظر إلى البحر المظلم سوى من أنوار البواخر والسفن منها قريبة وأخرى بعيد ¤لم يحن وقت وصولها بعد، أنت فقط عصبي. لم يجبه و هو يلمح أضواء السفن بالأفق، فابتسم يقول بظفر ¤ وصلوا! أعطى إشارة لرجاله بالاستعداد، في نفس الوقت الذي أعطى العميد إشارته لعناصره، فتأهب الجميع في مكانه. وصلت السفن بعد مدة ليست ببسيطة، فانتظروا إلى أن يشرعوا بإخراج الحاويات الكبيرة، تأكد حلمي من البضاعة والأهم حجر الألماس، فأمر بالشروع بنقلها و وقف يضحك بنصر، يرى تحقيق حلمه الذي لا يعلم أو يتجاهل أنه كابوس على الكثير من الأهالي الذين يعانون سقوط أولادهم قعر السموم، والغاية ربح مادي هو في الحقيقة خسارة ستلقي به قعر الجحيم، تكفي دعوة كل أم مكلومة على موت أو ضياع ابنها أو ابنتها، تكفي صرخة كل زوجة بألم سواء من ضرب أو قهر زوجها وهو مسلوب العقل، يكفي عظم قدر الأرواح الفتية والشابة أو حتى المسنة التي تروح كل يوم ضحية جرعة زائدة أو حادث نتيجة غياب الوعي. التفتوا بجزع حين صاح العميد، يلمحون طوقا واسعا من رجال الأمن بأسلحتهم المشهرة نحوهم ¤سلم نفسك حلمي المنشاوي أنت مقبوض عليك ومن معك متلبسين بتهريب المخدرات ...لا تحاولوا الهرب فالميناء كله محاصر من داخله وخارجه مع أمر بإطلاق النار. تلفت حلمي حوله بعينيه الجاحظتين لا يصدق أنه وقع في شر أعماله وابنه يضحك بهستيرية، يشير إليه ¤ أخبرتك أنه ليس ليث ولم تصدقني، أخبرتك أن نلغي العملية رفضت ....تفضل! ألم أقل أحبابك كثر؟ زاغت عينا حلمي يبحث عن مخرج لا يجده، لمح اقتراب العميد ورجال أخرين، فسحب مساعده يحتمي وراءه بينما يطلق النار عشوائيا ليبدأ الكر والفر، فيضمن لنفسه ثوان يتسحب فيها لكن عينا العميد لم تكن ترصد غيره فخطا بحذر في أثره كما فعل هشام وهو يلحق بتامر الذي انحصرت ضحكته الهستيرية و هرب هو الآخر لولا رؤية ياسين مصابا، فشتم وأسرع إليه يتفحصه فيمسك ياسين بيده هامسا بتقطع ¤سأكون بخير ...لا تتركه! من أجل ليث لقد وثق بنا. أسرع وتركه على مضض، فهو محق صديقهما وثق بهما ولن يخذلاه. ¤توقف حلمي! ...أقسم لك لا أحب إلي من إفراغ هذا المسدس بجسدك لكني سأدع القانون يأخذ مجراه فاثبت مكانك إن كنت تريد العيش. إلتفت اليه يرمقه بعينين زائغتين، يقول بمراوغة ¤ مصطفى ماذا تفعل؟ أنا، أنا حتى لا أعلم عن ماذا تتكلم؟ أنا لم أرى بعد ما بالحاويات ....لا تنس أننا أنسباء ...ألا تخاف على سمعة ابنة صديقك؟ قاطعه العميد يصيح بغضب يكاد يطلق العنان لمسدسه حتى يشتت جسد الحقير : كف عن الكذب حلمي! لقد خدعتنا جميعا، جميعا! لم يعلم أحد بحقيقتك. ثم تغيرت نبرته إلى سخرية قاتمة يكمل باشمئزاز ¤سوى الفتيات الصغيرات. عينا حلمي تكادان تقفزان من محجريهما يتمتم بتقطع صادم ¤مم..مماذا؟ هتف العميد باشمئزاز وحقد اشتعل بصدره تشع به عينيه ¤رنا ....هل تذكرها حلمي أم أنك نسيتها؟ وورد والله أعلم كم عددهن؟ تلفت بعينيه كأنه جان يهتز بدنه واشتدت أعصابه حتى فقدها بينما يسمع استرسال العميد :قتلت فتاة صغيرة بعد أن استغليتها واغتصبتها وكنت ستفعل المثل بورد، لولا شجاعة فتاة بريئة امتلكت ضميرا فقدته أنت يا وغد! ...يعلم لله كم من طفولة دمرت وكم من حياة أنهيت بسمومك ..أتعلم؟ بعد إعادة التفكير، قتلك أفضل للبشرية رفع حلمي يديه، هاتفا برعب وجبن ¤لا ..لا تفعل! أنا أسلم نفسي! اقترب منه العميد بحذر حتى جاوره وقبل أن يقبض عليه عاجله بلكمة على وجهه، يهتف بغل ¤ هذه من أجل ورد. و ظل يوجه له ضربات بكل حقد يحمله تجاهه حتى اكتفى و توقف كي لا يقتله ثم صفد رسغيه يستدرك ¤ أما من تسببت بقتلهم، فحقهم سيصلهم يوم يتدلى جسدك من على المشنقة. ¤إلى أين يا تامر ؟ تسمر تامر ينظر إلى ليث باندهاش، يهتف بعدم تصديق ¤ أنت مصاب! كيف؟ ابتسم ليث ببرود يجيبه والمسدس بيده، يوجهه إليه ¤ما كنت لأفوت هذه الفرصة ولو على جثتي يا .....صديقي العزيز! صمت تامر يبلع ريقه بتوتر حتى انتفض حين صرخ ليث ¤أنزل سلاحك أيها الوغد! تجمد مكانه يحدق به مبهوتا، فكرر ليث صياحه لينحني تامر على مهل يضع السلاح أرضا، خطى نحوه بحرص وما إن هم بالقبض عليه وكز تامر بقبضته على كتف ليث المصابة وصاح الأخير بألم فأسقط سلاحه واشتبك معه كل يوجه اللكمات للآخر. جرح ليث ينزف من جديد والوهن يطغى على أطرافه حتى أوشك تامر على أن يرديه أرضا فانطلقت رصاصة تدوي بصخبها عبر أروقة المرفأ المعبأة بالحاويات فتسمرا كلاهما يتبادلان النظرات الذاهلة.