سكتت فأكملت د. باسمة ¤ توترك منعك عن إتمام شعورك؟ أومأت، فاستطردت الدكتورة ¤المهم أنك لم تشعري بعدائية أو نفور من قربه منك ولمس يدك. فكرت قليلا وأومأت بلا، فقالت الدكتورة ¤ هذا ما يجب أن تفهميه ورد، كل ما أنت بحاجة إليه هو تصحيح المفاهيم ....عندما تتقدمين برجلكِ على أرض جديدة تحتاجين تفَقُّدِ مدى صمودها وصلابتها، تتأكدين من حَمْلِهَا لكِ وعدم اهتزازها فتشعرين بالأمان عندها تضمين رجلك الأخرى إليها وتستعدين للخطوة الأخرى ...خوفك جعلك تبتعدين عن مصدر الخطر بالنسبة لكِ وهم الرجال حتى صادفت واحدا أثبت لكِ مدى اختلافه وصدقه وفاز بثقتك وها أنت جربت لمسة يده فلم تنفري و لم تتأذي، اِثبَتِي على تلك الخطوة وستدفعك إلى الخطوة الأخرى إلى أن تصبح العلاقة بينك وبين زوجك عادية وطبيعية لكن ما سيساعدك أكثر هو أن نتحدث عن أصل المشكلة. رمقتها ورد بحذر بينما هي تضيف ¤ يجب أن تتحدثي عن سبب نفورك من الرجال، لأنني لا أعتقد بأن جريمة القتل هي السبب الأساسي، قد تخافين من الرجال أو لا تثقين بهم لكن نفور حتى من الرجل الذي مَنَحْتِهِ ثقتك وأحببته لا أظن، و هذا يوصلني إلى السؤال المهم، مما حمتك منه الفتاة التي دفعت نفسها ثمنا لذلك؟ لم تكن ورد بحاجة لدفع أكثر، فهي قد أخذت قراراها لتخرج كل شيء خُزِّنَ بداخل عقلها وإلْقَاِئِهِ إلى الخارج عَلَّهَا تتخلص منه و من سيطرته عليها. ****** ←ورد: رنا فتاة بريئة وجميلة تكبرني بسنتين وأنا كنت مدللة عائلتي لا أتشارك ألعابي مع أحد وسريعا ما كنت أتشاجر مع الفتيات خصوصا إذا أردن أخذ دمياتي مني لكن رنا لم تكن تقترب مني، كانت دائمة الالتصاق بوالدتها فاستفزتني وجربت كل الحيل لأجعلها تلعب معي و سُعِدْتُ جدا حين نجحت بذلك، فكنت أدعها تأخذ ما شاءت من ألعابي لكي لا تمل وتعود لقاعدتها ...كانت مرحة لمن تقترب منه لكنها دائما خائفة وتجفل من أبسط الأشياء خصوصا الأولاد، استنتجت ذلك من خلال خوفها من أخي محمود وكل مرة ترحل فيها توصيني بشيء لم أفهمه حينها ..**لا تأتي إلى بيتنا مع والدتك أبدا، إذا أتيت لن أكون صديقتك** ....لكنني كنت صغيرة ولم أفهم ...حين أخبرتني أمي بذهابنا إلى منزلها سعدت كثيرا وكانت تلك البداية. ←أسماء: أمي حبيبة قلبي ومنبع الحنان والرحمة ...كنت محظوظة بها هي ووالدي من أفضل الناس الذين قد تلتقي بهم، خلوقان محبان لا تُسمع منهما كلمة سوء أبدا، كانا يحبان بعضهما كثيرا، كل واحد منهما ضحى من أجل الآخر وعاشا وعيشونا معهما أحلى الأيام لكن للحياة أقدار لا نفهمها، مرض والدي وتوفي بعد فترة قصيرة ....حاولت تعويضنا غيابه وزادت من جرعات حنانها وحبها و كنا لا ننام لا أنا ولا سمير إلا في حضنها ....سمعت يوما مشاجرة بينها وبين جدي يقنعها بالزواج من جديد بحجة أننا في حاجة لرجل خصوصا أنه قد كبر ومرض ولا يضمن حياته، لم يكن يعلم أبدا بأنها ستسبقه إلى القبر ...لم تقبل فضغط عليها إلى أن هددها بأن يغضب عليها فوافقت مجبورة.. .كان يوم زواجها كالجنازة، بكت بحرقة واستقبلت الرجل بعبوس فكتم غيظه جيدا وتصنع الضحك إلى أن خرج جدي ومن حضر ...كنت في غرفتي حين سمعت صراخا مكتوما انقبض قلبي وجريت إلى مصدره لأجد سمير قد سبقني إلى غرفة والدتي يطرق على بابها ....فتح الباب و خرج ذلك الرجل الذي لم يظهر لنا إلا كوحش، صرخ بنا فخرجت والدتي في حالة يرثى لها تقف بيننا وبينه تصيح بأن لا يَلمسنا، فرفع يده وحط بها على خدها حتى سقطت على الأرض وانصرف خارجا....و كانت تلك البداية. **** ←ورد: ( نظراتها ثابته على المزهرية لا تحيد عنها و يديها في قبضتين مبيضتين من شدة ضمها لهما...لا دموع، لا حركة فقط جمود ) ..أول مرة ذهبت مع أمي إلى قصرهم كنت سعيدة ونسيت كل ما قالته لي عن عدم الذهاب إلى هناك، بحق الله لقد كنت في الثامنة من عمري..ما إن رأتني حتى تغير وجهها وغضبت مني وهددتني إن لم أرحل لن تلعب معي، كنت أسألها عن السبب حين دخل علينا ( قبضت على يديها أشد وتصلب جسدها )سألني من أكون فسبقتني و قالت له من أنا وبأنني مغادرة لأن أمي تبحث عني، رأيت التصميم في عينيها فأطعتها ورحلت خيفة من أن لا تلعب معي مرة أخرى هذا ما صوره عقلي الصغير. ←أسماء :( انحنت الى الأمام في جلستها تتأمل الباقة المطرزة وكأنها كتاب مفتوح أمامها تقرأ منه ذكرياتها، يديها في حجرها تفركهما ببعضهما حتى احمرا ولازالت ... )في أول أيام زواجهما لم يكن يوجه لنا أنا وسمير حديثا، دائما ما كان شجاره مع أمي وعندما نتدخل تمنعنا عن مواجهته، حاول سمير إخبار جدي يوما لكنها منعته ومن سوء حظها سمعهما، بعد خروج جدي تشاجر مع أمي فتدخلنا كالعادة لكنه تلك المرة ضرب سمير بصفعة لن أنساها أبدا ..كان الحال هكذا إلى ...( تلكأت فحثها الطبيب ..*أسماء أنت على الطريق الصحيح لا تتوقفي*... ) استحممت ونسيت ملابسي في غرفتي لففت علي منشفة وخرجت، كنت معتقدة بأن أمي وسمير فقط من بالمنزل فنحن لا نراه إلا مساء ...اصطدمت به وفزعت أمسك علي منشفتي بشدة نظرت إليه فجزعت من نظراته التي فجأة تغيرت ولم تعد كالسابق، أجفلت على صوت أمي تصيح باسمي فالتفتنا إليها ... نظرت إليها بقلق بينما تأمرني بالذهاب لغرفتي، فانسحبت أجري إليها ومنذ ذلك اليوم و أنا أرى وجها آخر للحقير. ←ورد: انتظرتها أن تأتي مع والدتها لكنها لم تفعل ولم أذهب أنا أيضا في المرة التي ذهبت فيها والدتي لزيارتهم ...لذلك قررت مرافقة أمي في الزيارة اللاحقة ....تركت أمي مع الخالة وذهبت أبحث عنها في غرفتها فوجدته هو، ابتسم و قبلني على وجنتي يخبرني بأنه يلعب الغميضة مع رنا وأنها مختبئة ثم أعطاني لوح شوكولا، هممت بالإمساك بها لكنه طلب إطعامي بيده وأنا جالسة على حجره ففعلت، اعتقدت أنه مثل أبي الذي دائما يدعوني للجلوس على حجره لكنه لم يكن أبدا مثله، فتحت فمي أنتظر فابتسم يطعمني وكانت تلك أول مرة يلمسني فيها ...تحسس كل جسدي وسألته لمَ فقال أنه أحب الفستان ويريد مثله لرنا التي دخلت علينا غاضبة منه لم أفهم لماذا ثم صرخت علي فاعتقدت أنها تغار لمعاملة والدها معي ( ضحكت ضحكة مستهزئة خالية من المرح ) ←أسماء: نظراته أصبحت تتبعني أينما حللت، لم يعد يغيب كثيرا عن البيت ....و بيوم من الأيام كنت منهمكة بحل واجباتي المدرسية وأمي تغسل الملابس في الحمام ...أحسست بدفء على ظهري التفت، فوجدته يبتسم بطريقة غير مريحة لقلبي، رمقته بريبة فانحنى واقترب مني يسألني إن كنت أريد مساعدة، أومأت بلا وأنا أرتعد من لمسة يده على طول ظهري، سمعنا حركة جهة الحمام، فعلم بأنها أمي وجلس يتظاهر بمساعدتي في المذاكرة وأنا أستغرب. ←ورد : دعتني للعب الغميضة لكن بإحباط وأسف، لم تكن مرحة أبدا، اختبأت بغرفة صغيرة من بين كثيرات منتشرة في القصر للتخزين ...جلست ساكنة فانفتح الباب، ظننتها رنا فرفعت رأسي لأجده هو يقفل الباب ورائه يقول بمرح أنه يختبئ هو الآخر، أخذني في حجره يخبرني بأن لا أخاف وبعدها.... شعرت بانزعاج من طريقة لمسه لي وحركته مع تنفسه السريع، خفت و هممت بالابتعاد عنه لكنه شد علي فزاد خوفي، سمعنا صوت رنا تبحث عني ..كنت سأنادي عليها لكنه وضع يده على فمي يهمس في أذني بأن أسكت ولا أدلها على مكاننا، بكيت من خوفي فضغط بيديه على ذراعي إلى ان آلمني يكمل همسه المقيت "ستعودين المرة القادمة مع والدتك أليس كذلك؟" لم أجبه فضغط أكثر إلى أن أومأت بنعم وحملني وخرج بي إلى غرفة رنا وأنزلني ثم أخذ دمية من الألعاب وجلس أمامي القرفصاء يقول "إن أخبرت أحد أنني ألعب معك سأفعل بك هكذا "وفصل رأس الدمية عن جسدها، فارتعدت أكثر من الرعب. ←أسماء: كنت واقفة بالمطبخ حين شعرت بيدين تمسكانني من ذراعي استدرت برأسي لأصطدم بأنفاسه الكريهة يبتسم بخبث، تمتمت أسأله ماذا يريد، فقال أنه جائع هممت بالنداء على أمي، فمنعني يقول أنها متعبة ونائمة وظل يلمسني من ذراعي وخصري، خفت بشدة ولم ينقذني سوى دخول سمير ليزفر بانزعاج و يخرج. ←ورد: مسحت رنا دموعي تخبرني بأنها حذرتني لكنني لم أفهم وشدت على يدي تطمئنني بأنها لن تدعه يؤذيني، هو فقط سيلمسني ولن تدعه يفعل أكثر كما يفعل معها، أنا لم أفهم حينها شيئا غير أنني أرتعد خوفا ....لم أعد أشعر برغبة في شيء لا اللعب و لا التحدث، كل ما أفكر به هو أنه سيفصل رأسي عن جسدي كما فعل بالدمية. ←أسماء : أصبحت لمساته تتكرر بسبب أو دون سبب حتى بت أتلفت حولي خوفا منه وأهرب من أي مكان يوجد به وكنت ألمح نظرات القلق من عيني أمي التي أضحت تراقبني كل لحظة ....في ذلك اليوم الأسود الذي كان يوم عمله، استغلت أمي غيابه لتذهب للسوق ...لم تكن لدي حصة يومها فبقيت بالمنزل ولم تكد تغب أمي حتى سمعت صوت انفتاح باب البيت، ظننتها أمي ليرتعد قلبي حين رأيته والجا بنظرات ماكرة وأخرى لم أفهمها حينها وأقفل الباب خلفه. ←ورد: كرر فعلته مرات عدة حتى كرهت كل ما يخص ذلك القصر (وضعت يدها على فمها تكبت إحساسا بالغثيان) الجميع أصبح يسألني يشك بأمري خصوصا أبي الذي سمعته مرة يطلب من أمي عدم الذهاب لقصرهم لا أعلم لماذا؟ ..و بالفعل لم نعد نذهب لكن الخالة كانت تأتي وكلما رأيتها تذكرت تهديده و أبدأ بالبكاء. ←أسماء: شلت أطرافي و تسمرت مكاني.....تقدم باتجاهي حتى وصل أمامي يقبض على ذراعي وانحنى إلى أن أصبح وجهه قرب وجهي وأنفاسه الكريهة تضرب صفحة وجهي مما زاد خوفي ومعه جمودي فطوقني ...منذ تلك اللحظة وأنا لم أعد أشعر بشيء وكأنني فصلت عن الواقع والتي يضمها جسد أخرى ....كلما تجرأ أكثر كلما ابتعدت الصورة التي وكأنني أتفرج عليها من بعيد أكثر. ←ورد : ظنوا بأنني اشتقت لرنا فأخذتني والدتي إليهم وأنا لم أستطيع الرفض فينفذ تهديده، وصورة الدمية التي فصل رأسها عن جسدها لا تفارقني....ظللت جوار والدتي إلى أن أتت رنا وسحبتني تهمس بسؤالها عن سبب عودتي ونعتتني بالغبية، فذلك ال... أخبرها بأنه سيزيل عني ملابسي حين أعود مرة أخرى، سألتها لأنني لم أفهم، لماذا سيزيل عني ملابسي؟ تأففت بضيق تخبرني *يا غبية! ما فعله معك بملابسك سيفعله بلا ملابس وأسوء فلقد أخبرني بأنني كبرت ولم أعد صالحة* ثم تلفتت حولها بتوتر تقول بأنها يجب أن تقوم بإخفائي إلى أن أغادر ثم أكدت علي عدم العودة أبدا، فمادامت بعيدة لن يستطيع إيذائي. ←أسماء: ظل شريط المشهد يمر أمامي لا يفارقني ...أمي تدخل من الباب وتصرخ، هو تفاجأ فدفعني باتجاه الجدار حيث تحجر جسدي وأصبحت جزءا منه من شدة ما التصقت به ...صراخ و كلام كثير صاخب لم أفهم منه شيئا، رفع يده ليصفعها فأمسكتها قبل أن تصل إلى خدها ودفعته بكلتا يديها لكنه كان أقوى منها ودفعها إلى حتفها. ←ورد : سمعنا صوته فسحبتني رنا و جرت بي إلى أن انقطعت أنفاسنا ثم أنزلتني إلى مكان مليء بالفرش و التحف ...وقفت وبدأت بالتحرك كأنها تبحت عن شيء ما ثم جذبتني وأدخلتني خلف كومة سجاد كثير يغطي ركنا هناك، وصاحت بي تهددني *لا تخرجي من هنا مهما حدث إلى أن آتِ بأمك عند مغادرتها، سأخبرها بأننا نلعب غميضة وأنك مختبئة هنا، سمعتني؟ لا تغادري أبدا!* ...وعدتها وبقيت مكاني، خنقتني الرطوبة ورائحة العفن فمددت يدي و فرقت بين السجاد قليلا ليدخل بعض الهواء ....سمعت أصواتا تقترب إلى أن توضحت ولم تكن سوى لذلك الوحش يصيح بها لتخبره عن مكاني. ←أسماء: لم أتحرك من مكاني وأنا أرى والدتي تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم أعِ إلا على إمساكه بي من عنقي يضغط عليه حتى سلمت بأنه يريد قتلي كأمي، لكنه أرخى يده يهددني *إن أخبرت أحدا بأنني عدت إلى البيت اليوم سأقتلك كوالدتك هل سمعتني؟* ...أومأت بلا شعور، فأكمل *عندما أخرج ستركضين نحو الجارة أم محمد وتصرخين بأن والدتك انزلقت وإذا لم تفعلي سألحقك بها!* ثم انصرف!.. و بشكل آلي فعلت ما طلبه مني ولم ألتفت إلى أمي خوفا من أن أرى نظرة الخيبة بعينيها الجاحظتين الخاليتين من الحياة. ←ورد: أخبرته بأنني وهي نلعب الغميضة ولا تعرف أين أنا ..فزمجر غضبا بأنه سيبحث عني، رفعت يدها الصغيرة تمنعه، فدفعها بشدة لم يتحملها جسدها الصغير فطار إلى الخلف ليرتطم رأسها بحافة طاولة زجاجية بحواف حادة سميكة... انتفض جسدها النحيف وانتفض معها جسدي ثم تجمدت وعيناها لا ترمشان كأنهما انطفأتا وبقيت مكاني أرتعد رعبا ...اقترب منها وظل ينظر إليها للحظات قبل أن يصيح وكأنه يعلم بأنني أراقبه ...*ورد أخرجي هيا! رنا لم تمت ... انحنى وبسط يده ليلمس جفناها يسدلهما بينما يكمل .....أرأيتي؟ إنها نائمة، أخرجي لنلعب هيا! ... رنا لن تقوم إلا إذا أتيت صغيرتي أخرجي!* .... ... إلى يومنا هذا لا أعلم كيف ظللت هناك قابعة لا آتِ بحركة وأنا أراقب كل ما فعله بعدها، صدقت بأنه سيجدني وفكرت بأنه فقط مشغول بما يفعله وعندما يفرغ سيجدني ...لذلك عندما سمعت رجلا يصيح بقوله "وجدتها!" ظللت على جمودي، حتى عندما سحبني ليوصلني لأمي كنت مستسلمة لقدري الذي ظننته سيكون كقدر رنا. *********** حطت أسماء برأسها على الأريكة ودموعها مدرار على وجنتيها، جفناها يثقلان على مقلتيها، فرمشت بهما حتى أسدلتهما وهي تهمس بخفوت ¤ أنا لم أكن السبب ...هو من قتلها ....لم أكن السبب ..جدي من أدخله حياتنا ..لم أكن السبب ...موت أبي السبب ....لم أكن السبب ...لا...لست أنا ...لم.. ظلت تعيد الكلمات بهمس خافت إلى أن غاب عقلها إلى عالم النوم ، الراحة المؤقتة التي يهرب إليها العقل عندما يبلغ مداه في التعب .....كما غاب عقلها إلى النوم غاب إدراكها عن نظرة عيني الدكتور مفيد التي لم تعد هادئة، عن اختفاء الابتسامة الجانبية ليحل محلها ملامح غضب شديد ..مع أنها ليست المرة الأولى التي يسمع فيها مصائب كهذه! بل سبق وأصغى لما هو ألعن كالاغتصاب مرة واحدة والمتكرر بل و اغتصاب المحارم، لكنه في كل مرة يسمع فيها يشعر بغضب أسود لو طال أولئك الوحوش لجرفهم إلى الجحيم ...أشفق عليها فتركها تنام علها تسترجع شيئا من قوتها التي هو متأكد بأنها ستستعيدها بكاملها ما إن تتخلص من شعورها بالذنب. أما ورد فلم تتحمل وطأة شعور الغثيان على صدرها، فأسرعت إلى الحمام تفرغ معدتها، أجفل ليث من خروجها بتلك السرعة و تبعها إلى أن دخلت الحمام حيث وقف ينتظرها بقلق ..التفت إلى الدكتورة التي خرجت هي الأخرى تلحق بها : ما بها لماذا أسرعت هكذا إلى الحمام؟ ردت عليه تهدئه : لا تخف إنه أمر متوقع، جيد جدا في الحقيقة، فهي تقريبا أفرغت ما بجعبتها ولم يبقى إلا القليل وهذا جيد، بعدها سنركز على العلاج بإذن الله. هدأ ليث يسمعها بتركيز، تكمل ¤ حين تخرج أحضرها للمكتب، أريدكما معا هناك. أومأ ليث بتفهم وانصرفت الدكتورة. أفرغت كل ما في بطنها حتى ظنت أنها ستفرغ أحشائها، وضعت يدها على معدتها تمسدها لتهدأ ثم قامت إلى المغسلة ...غمرت وجهها بالماء مرات عدة قبل أن تنظر إلى المرآة ولعجبها أصبحت ترى "ورد" لا نظرات صارمة، لا ابتسامات باردة ولا أشباح، فقط "ورد" ....تمالكت نفسها وخرجت ليستقبلها وجهه الحبيب القلق الذي يبث الأمان بقلبها. اقترب منها ليث محاولا اغتصاب ابتسامة بفشل ذريع بينما يسألها بقلق ولهفة: أنت بخير؟ ابتسمت بوهن لملامحه التي أضحت أحب الملامح إلى قلبها وهمست : أنا بخير لا تقلق وسأكون أفضل إن شاء الله. أشار لها إلى مكتب الدكتورة، يخبرها :إنها تنتظرنا. هزت رأسها وتقدمته إلى المكتب حيث اطمأنت عليها د.باسمة ثم قالت بنظرات داعمة ¤ ورد سأسألك سؤالا جوابه يهم زوجك كونه رجل أمن... حدق بهما ليث بريبة بينما ورد تدرك فحوى سؤالها، فقالت تفرك يديها بقوة :نعم أعرف أين دفنها! أومأت الدكتورة بينما تفاجأ ليث بجملتها ¤إذن هل أنت قادرة على التحدث بعد؟ أفرغي كل ما بجعبتك كما استفرغت كل ما في بطنك في الحمام، فارتحت من شعورك بالغثيان، فحالتك كلها شعور بالغثيان عزيزتي. نظرت إلى ليث تهوي بقلبه قعر العذاب بنظراتها المتعبة ينضح منها الألم، وترقرقت منها الدموع بينما تهمس بوجع ¤ سأخبرك بما رأيته ..... هز رأسه يحثها على الاستمرار، فاستدركت ¤ ظل ينظر إليها ينادي علي لأخرج لمدة من الوقت ثم انتفض واقفا يمسك بشعر رأسه يروح و يجيئ، بعدها قام بحركة لم أفهمها ، ظل يضرب الأرض برجله حتى توقف، انحنى ومد يده يلمس سطح ذلك المكان ثم استقام وبدأ يتلفت حوله حتى وجد ضالته، ذهب ثم عاد بيده شيء حديدي حاد أوقفه على الأرض وضرب فوقه بحجرة كبيرة ...فعل ذلك مرات عدة، فأزال البلاط ...أزال أربع مربعات كبيرة و لم يحفر، أقسم أنه لم يحفر، لقد كانت حفرة أو لا أعلم ماذا؟ لأنه أخذ سجاد من السجاد الكثير فوقي، ولفها بها ثم وضعها هناك في تلك الحفرة ووضع فوقها الطاولة بعد أن قسمها إلى شقين وأشياء أخرى لم أتبينها، ثم أرجع البلاط إلى مكانه، بعد ذلك ظل يمسح الدم و يضع كل شيء يستعمله في كيس لمدة ظننت أنها لن تنتهي ولم يغادر حتى سمع ضجة فأسرع يلتقط الكيس واختفى. أخفت وجهها بيدها تبكي، فنظر ليث إلى الطبيبة التي أشارت له بأن يلمسها بيده ..فحرك يده بتردد ليضعها فوق ظهرها، يهمس برقة ¤اهدئي حبيبتي ..أنت لا ذنب لك بكل ما حدث وذلك المجرم سيدفع الثمن أعدك! شعر بها تتصلب للحظة وجيزة ثم ارتخت وتوقفت عن البكاء لترفع رأسها تنظر إليه كأنها تستنجد به، لم يزل يده من على ظهرها وبسط الأخرى ليسحب بها منديلا من العلبة يتجرأ أكثر ويمسح دموعها برقة ورفق يرافقهما بعض التوتر، شعرت به ورد فعلمت أنه خائف مثلها لكن الفرق أنه خائف من رد فعلها ومن إرعابها، ارتاحت حين استنتجت ذلك واستسلمت لحركته تراقبه بعينيها اللتين أصبحتا لا تشبعان من تأمل وجهه. تحدثت د. باسمة راضية عن مسار الجلسة ¤ورد أنت فتاة شجاعة وقطعت شوطا كبيرا بفضل الله ...ما فعلته الآن أنك تحديت خوفك والخطوة الثانية أن لا تعتبري نفسك مسؤولة عن موت رنا بل أنت ضحية مثلها وكان من الممكن أن تلقي نفس مصيرها ...أنت تصرفت بطبيعتك كطفلة، يجب أن تخافي و ترتعبي وكان دور الأهل منذ أن لاحظوا خللا في سلوكك أن يسعوا لمعرفة السبب والعلاج، لهذا إنسي كل إحساس بالذنب واعملي على معالجة نفسك وأصري على حقك في الحياة، في الحب في الزواج، وفي أي شيء شرعه الله لنا حقوقا في الحياة ..وسأطلب منكما شيئا تفعلانه إلى الجلسة القادمة إن شاء الله، بعد ثلاثة أيام كي ترتاحي جيدا و بعدها نستأنف ....أريدك يا ورد أن تكون يدك بيد زوجك ليث وأن لا تفارقها أبدا ....نائمين، قائمين، كلما اجتمعتما تكون يدك بيده، أريدك أن تتأكدي من ثقتك التي منحتها إياه، أنه لن يخونها وبعدها باقي جسدك سيتصرف حسب الفطرة التي خلق عليها، فلا تخافي و لا تتفاجئي. بسط ليث يده نحوها يرمقها بحب وحنان، فتاهت عبر نظراته تسلمه يدها دون تردد، فأطبق عليها بدفء وصلها و سرى بسائر جسدها. **** رفعت السيدة زينب كأس الشاي بالنعناع الذي تعشقه وارتشفت منه رشفة طويلة أحدثت صوتا، ثم حطت به فوق مكتبها وحركت لسانها داخل فمها تتلذذ بمذاقه وهي ترمي سمير بنظرات غيظ و تذمر، فقال بامتعاض ¤ لمَاذا أحضرت لي قهوة سوداء؟ أنا أيضا أريد الشاي فأنا لم أفطر بعد. لوحت بيدها في الهواء تهتف بامتعاض ¤ مثلك يجب أن يعلق من قفاه وسط ميدان عام ليضرب ضربا مبرحا، احمد ربك أنني ضيفتك بقهوة بدل أن أضيفك بباطن خُفي العتيق....جيل معقد! سكن يتلقى تقريعها بملل، فهو قد اعتاد أسلوبها الذي يعرف جيدا بأنها تغطي به طيبتها حتى انتهت، فأجابها ¤أعلم جيدا بأنني مخطئ حتى النخاع، فهلا تشرفت وتكرمت علي بحكمتك و نصحتني؟ وضعت يديها على كلا جانبيها وتأهبت قائلة ¤ كان الأحرى بك استعمال عقلك قبل أن تتشدق فخورا بأموالك كالطاووس، لو كنت مكانها ما كلمتك أبدا بحياتي واصدم رأسك بأقرب حائط إليك. لم يتحمل سمير فنهض واقفا، يعقب بانزعاج مزعوم ¤شكرا لك سيدة زينب، سأذهب لأبحث لنفسي عن حل. هم بالذهاب فهتفت بينما تجمع فمها إلى الأعلى بشكل مضحك حتى أوشك أن يلمس أنفها مضيقة عينيها ثم أشارت إلى مكان جلوسه ¤ عد الى مكانك واثبت قليلا أنت رجل! يا إلهي ما هذا الجيل؟ ... رحم الله من ماتوا رجالا. رفعت يديها بفخر كأنها تدعو بينما تضيف ¤ أين أولئك الأسود؟ كانوا يحكمون أنفسهم قبل نسائهم وحتى إن أخطأوا يصلحون الخطأ بأنفة لا أن يصابوا بكآبة كالنساء يولولن. أخفى ضحكة مكر ممزوجة بمرح وعاد إلى مكانه ينظر إليها ببراءة، فمالت نحوه قائلة بخفوت ¤ اسمع من امرأة غزى الشيب رأسها واعقل جيدا ما سأقوله لك ولا تفعل كالذي أراد أن يكحل عينها فأعماها. نظر إليها باستغراب، يتساءل بحذر ¤ أكحل عين من بالضبط؟ نفخت بيأس وضجر ثم قالت بهدوء جاف ¤ يا ربي صبرني على القوم الجاهلين! سمير اسمعني ثم أرني عرض ظهرك! حك رأسه لا يفقه شيئا من قولها ثم هز رأسه يطرق سمعه جيدا. ***** اقترب منها ليوقظها من نومها العميق، يشعر بشفقة على صبية جميلة أضاعت أجمل سنواتها بسبب شرذمة من الوحوش. انحنى ليوقظها فحركت شفتاها كأنها لازالت تهمس، تأمل صفحة وجهها بجفنيها المسدلين ينتهيان برموش كثيفة ترتاح على وجنتين محمرتين من البكاء ثم الشفتين منفرجتين تتحركان بهمس خفيف، وعى على نفسه لما يفعله، فهمس بخفوت لنفسه :مفيد ماذا تفعل؟ هل كبرت و خرفت؟ استقام واتجه إلى خارج المكتب ينادي على السيدة زينب وطلب منها إيقاظها واستغربت الأخيرة لماذا لم يوقظها بنفسه بينما تدنو منها لتلمسها، فقال د.مفيد بهدوء ¤ احذري يا زينب! لا تجفليها. جمعت فمها وحركته كلا الجانبين ثم مدت يدها برفق وبشكل مسرحي مضحك، تخاطبها ¤ قومي يا حبيبة أمك، لقد شطبنا العمل وسنغلق. انتفضت أسماء تتلفت حولها، فأغمض د.مفيد عينيه غيظا من السيدة زينب، يقول بهدوء :اهدئي أسماء، لا تجزعي. ظلت ترمش بارتباك والدكتور يراقبها بطرف عينه، فعقبت السيدة زينب وهي تراقبهما بحاجب واحد مرتفع وابتسامة مرح تخفيها جيدا وقد لمعت عيناها بضالة قد أرهقتها كثيرا ووجدتها ¤ نعم يا ....أسماء كما قال الدكتور، لا تجزعي فلا أحد سيأكلك هنا. أشار لها الدكتور ببسمة نزقة، يخاطبها ¤ شكرا لخدماتك زينب أرجوك أخبري سمير بأننا انتهينا. استدارت تخفي شفتاها تمططهما بينما تنسحب. توترت أسماء ووقفت تسوي هندامها وكان هو قد استرجع ابتسامته الجانبية يقول ¤ أراك بعد غد ان شاء الله، ارتاحي جيدا و بعدها سنتحدث. هزت رأسها و فرت من أمامه بسرعة ووجدت شقيقها ينتظرها تأبطت ذراعه و غادرا. ******** خرجوا من السيارة والسعادة تشع بها ملامحهم، ابتعدت لمار قليلا ودفعت مريم بخفة تجاه هشام ، فقدت توازنها ومالت لتسقط فتلقفها بين ذراعيه، تجمدا يحدقان ببعضهما ولمار تضحك بمرح ، فابتعدت مريم بتوتر بينما يرمقها بحب يبتسم ببلاهة لا تليق بهيبته. دخلوا محل فساتين يتبادلان النظرات وكلاهما متوتر يصيبه التأثر بغباء فوضى خفقاته، سحبتها لمار تريها فستانا ما فأشارت لها بأن تسأل شقيقها، لتهتف لمار بسخرية مرحة ¤ تعال يا أخي، مريم تنتظر رأيك، ألم تشترط شراء الفستان بنفسك هيا! رمق الفستان بإهمال وحرك رأسه إشارة أنه لم يعجبه، تلفت حوله ثم أشار إلى فستان فيروزي بحواف مذهبة محتشم لكن خلاب، فنادت لمار على عاملة لتجلبه لهم، وصلت العاملة بالفستان، فهتفت بدهشة فرحة ¤ مريم كيف حالك؟ أين اختفيت؟ نظرت إليها في البداية بفرح لكنها ما لبثت أن تذكرت الذي حدث، فجزعت تبسط يدها بتوتر تصافحها ¤ أهلا سمية كيف حالك؟ ..أنا بخير. نظرت الفتاة إلى لمار وهشام ثم قالت باسمة بفضول ¤ ألن تعرفينا؟ عرفتهم إلى بعض، تتضرع إلى ربها من قلبها الوجل أن تنصرف بسرعة، فاستدركت الفتاة مشفقة ¤ الحمد لله أنك وجدت عائلتك، فما حدث لك صعب ولا يحتمل. اشتدت أطراف مريم تتشنج و احتبست أنفاسها بصدرها كما اتسعت عيناها تسمع الأخرى، تكمل بثرثرة مؤذية ¤ نحن لم نصدق أبدا ما قيل مع أن أبي رأى الشرطة بعينيه خارجة بك من منزلك مع رجل غريب. شهقت لمار تتغير ملامحها إلى ريبة بينما هشام يحمر غضبا يصيح بالفتاة :ماذا تقولين أنت؟ هل جننت؟ وعت الفتاة عما فعلته بثرثرتها فتساءلت بقلق ¤ ألم تخبريهم؟ أنا آسفة، ظننت بأنهم من ساعدوك في القضية ...فأنت بعد تلك الليلة التي قبضوا فيها عليك لم تعودي حتى أنك بعت بيتك. التفت هشام إلى مريم لا يرى سوى السواد وأمسكها من ذراعها يجذبها إلى الشارع بينما لمار في أثرهما مبهوتة لا تصدق وفي نفس الوقت خائفة على مريم من غضب شقيقها. توقف قرب السيارة، يسألها بلهاث: هل ما تقوله تلك الفتاة صحيح؟ نظرت إليه بخوف وشرعت بالبكاء لا تعلم بما تجيبه؟ أطلق سراحها ينظر إليها بسخرية قاتمة تشوبها الخيبة يغلف بها غضبا وصدمة قاتلتين ¤ أنت ممثلة مبهرة، لقد صدقت براءتك واحتشامك بينما أنت.... رفعت عيناها تسيء قراءة مشاعره المتضاربة فتراها بعين توقعها احتقارا وقرف، فرمته بنظرة توسل اختلطت بخيبتها الخاصة وللحظة ندم على ما قاله لكن شيطانه ذكره بمقالة الفتاة لتقسو نظراته من جديد يسترجع ما رآه طوال سنواته المهنية ثم طليقة أقرب أصدقائه، لم تتحمل مريم ما تراه من قسوة على وجهه، فأسرعت دون كلمة تشير لسيارة أجرة ركبتها وانطلقت متلافية كومة من الغضب تهدد بالانفجار و تمثال جامد مكانه ،لا تصدق انقلاب الدنيا في لحظة وجيزة من النقيض إلى النقيض . ********* غادرت السيدة زهرة بعد ثلاث ساعات من تدليل واهتمام حتى طفح الكيل ببيان المسكينة فحثتها على المغادرة، رفضت وتحججت بانتظار ابنتها التي وصلت بعد ساعة أخرى من الانتظار تلاحظ وجوم ابنة خالتها وإجفالها من سهوها كل حين، ظنت أنه حنق من تصرفات والدتها فتظاهرت بالتعب ورغبتها بالرحيل وهكذا استسلمت خالتها و غادرت. تأففت بملل لا تريد الاعتراف لنفسها باحتلاله جل أو بالأحرى كل تفكيرها، تأففت من جديد تنفض ضخامته التي يفرضها على عقلها الصغير وتحركت في مكانها لتنزل عن السرير بغية بلوغ النافذة، حطت بقدمها السليمة على الأرض ثم حاولت رفع رجلها المجبرة بكلتا يديها لتضمها للأخرى، فتنهدت تضم شفتاها إلى داخل فمها تضغط عليهما من شدة الألم. .¤ماذا تظنين نفسك فاعلة؟ كان هذا الجيئل الذي دخل بخفة عكس هيئته، التفتت إليه ودقات قلبها تسبقها، فصرخت بألم من حركتها المستعجلة ليهرول إليها وقد صرخ قلبه مع صرختها، ساعدها لتتمدد على السرير بسهولة وكأنه يحرك دمية بينما يهتف باهتمام بالغ ¤ أنت بخير؟ هل أستدعي الطبيب؟ لم ينتظر جوابها و هم بالاستدارة، فأمسكت يده تمنعه بينما تصيح بضعف : ناصر! نظر إليها متفاجئا و ....إحساسا آخر مدغدغا لصدره وكأنه يسمع اسمه لأول مرة بل وكأن اسمه لم يكن بتلك الأهمية تعوده بإهمال إلى أن نطقته هي فأصبح ذا أهمية لأذنيه، فأراد سماعه من بين شفتيها وبنبرة صوتها مرة بعد مرة. تنحنحت من بحلقته وسحبت يدها فتدارك وعيه يستقيم في جلسته بجانبها على السرير ، لاحت إبتسامة على ثغره من توترها، فقال لينسيها إياه و لتشتعل نجلاوتيها الآسرتين لقلبه بعصبية ¤أنت حمقاء متهورة! شعر بالرضا حين لمع البندق من بين رموشها وهي تجيبه بعصبية رغم وهن نبرتها ¤أنت؟ كيف تتج..... قطعت كلماتها حين انحنى تجاهها يقترب من وجهها هامسا، يلعب بأعصابها ¤هل تنكرين تعريض حياتك كل مرة للخطر بيديك؟ تلكأ قليلا ثم أكمل وهو يثبت عيناه الغنيتين بزرقة غامقة على عينيها اللامعتين حماسا و تأثرا بحضوره الطاغي ¤ لا تفكرين، فقط تتصرفين بحمق و هذا يثبت بأنك حمقاء بعينين واسعتين ......جميلتين جدا. ظلا يتبادلان النظرات وكل يحكي عن نفسه للآخر دون كلمات ولا إشارات فقط نظرات تحمل من المعاني الكثير ، دقتين على الباب أفاقتهما من غفلتهما أو حوارهما الصامت والتفتا آليا إلى الباب الذي دخلت منه الممرضة. نهض ناصر عن مكانه وقرب الكرسي إلى جانب السرير ليجلس عليه يراقب الممرضة التي تراجع مؤشراتها الحيوية بابتسامة رسمية أنهت عملها تقول ببسمة لطيفة ¤ آنستي دقات قلبك مرتفعة قليلا، إرتاحي ولا تتحركي كثيرا! نظرت بيان إلى ناصر الذي يرمقها بمكر، فصرفت عيناها عنه إلى الممرضة تومئ لها بخجل ظاهر على وجنتيها المحمرتين. **** توسطت السيدة هناء مجموعة من العينات التي تم إرسالها من منظم الحفلات، لتختار من بينهم ما يعجبها بخصوص حفل عقد القران الذي ميعاده في الغد حين تفاجأت بالعاصفة التي حلت واقفة أمامها و لمار جواره تبكي، هتفت بجزع حين لم ترى مريم ¤ماذا بكما؟ أين مريم؟ تجمدت لمار ترمقهما بتوتر وهشام يصيح بغضب يهم بالمغادرة ¤ لا أريد سماع اسمها! شخصت أنظارها و صاحت توقفه بحزم جاد ¤ هشام يا ابن الصياد توقف مكانك و تحدث إلي! وقف مكانه يمسح على وجهه يكبت غضبا جارفا لا يريد أن يجرف معه رضا والدته، فالتفت إليها مقطبا ¤لقد أمنتك أمانة أين هي؟ تحولت عقدة جبينه الى أخرى حائرة، فهتفت لمار بحيرة ¤مريم لم تصل بعد ؟ ردت عليها والدتها بريبة وقد تركت مكانها وسط الأقمشة بينما ترتب مئزرا أخضرا عصري واسعا حول جسدها ¤ لماذا تتوقعين وصولها قبلكما؟ هل سيخبرني أحدكما ما الذي يجري؟ زفر بغضب و كل إحساس بشع يتجمع بصدره حتى اشتعلت أحشائه بنار أحرقت قلبه، ففر من أمامهما مغادرا البيت قبل أن يفقد تحكمه بنفسه فيهذر بشيء يندم عليه. اقتربت السيدة هناء من لمار تستفسر، فأخبرتها بالخمس دقائق التي قلبت سعادتهم الكاملة إلى عاصفة جارفة، هوت والدتها على الكرسي خلفها وقلبها لا يصدق أبدا بأن تلك الفتاة الرقيقة الإحساس والمحافظة على فروضها تقوم بمثل ذلك الفعل الشنيع. لمحت هاتفها فوق المائدة فأخذته وطلبت رقمها رأسا، ظل هاتفها يرن إلى أن انقطع، فزفرت و ألقت به تفكر في أي مكان قد تكون لجأت إليه؟ خرجا من العيادة يدها بيده يطبق عليها، يتمنى لو يطبق عليها بكاملها داخل قلبه ويقفل عليها فيرتاح من وجع القلق المستمر الذي يزداد كل دقيقة يعيشها معها، استل هاتفه الذي أطفأه في العيادة وما إن شغله حتى ومضت شاشته برقم استغربه ليث، فناول الهاتف لورد الناظرة إليه بحيرة، يقول ¤ إنها والدتك. تفاجأت ترد بلهفة جزعة: أمي أنت بخير؟ انساب صوتها القلق يضاعف من جزعها ¤ لماذا لا تجيبين حبيبتي؟ لقد هاتفتك مرات عدة دون جدوى. أجابتها بريبة ¤ أدرت هاتفي على الصامت أمي ...ما الأمر؟ ردت عليها بحزن ¤إنها مريم يا بنتي وصلت قبل ساعة تقريبا ودخلت مباشرة إلى غرفتها باكية ....حاولت محادثتها لكنها لا تفتح لي الباب. وباقتضاب أجابتها : أنا قادمة أمي. أعادت الهاتف إلى ليث، قائلة تجيب سؤاله الظاهر على وجهه ¤يجب أن نذهب إلى أمي، مريم هناك ويبدو أن بها خطب ما وأشك بأن صديقك هو هذا الخطب. استغرب هو الآخر، يرد بينما ينطلق بالسيارة ¤لماذا تحديدا هشام؟ إلتفتت إليه رافعة حاجبها الأيسر تفسر بمنطقية ¤ لأنها تركت بيته، لو لم يكن السبب لما تركته. هم بالتكلم فقاطعه رنين هاتفه، فتحه على مكبر الصوت، ليصدح صوت السيدة هناء القلق ¤ليث بني، أتسمعني؟ رد عليها ¤ نعم خالة أنا أسمعك. ¤لقد تشاجر هشام و مريم وأنا لا أجدهما الإثنين. التفت إلى ورد التي تنظر إليه مبتسمة من صدق تأويلها، فهز رأسه يجيب السيدة هناء ¤ مريم عند الخالة عائشة لا تقلقي عليها، حتى هشام أعرف جيدا أين سأجده ...ما سبب الشجار خالة؟ ألديك فكرة؟ تمتمت بتوتر ¤ لا أعلم بني، شيء يخص قضية ما كانت مريم متورطة بها. اهتزت ورد مكانها بينما ليث يهتف بجدية ¤اشرحي خالة! ما مدى علمه تحديدا؟ ردت بريبة وقلق بالغ ¤ لا أملك التفاصيل، كل ما أعلمه أنها قضية تخص العرض. شدت ورد على حقيبة يدها بغيظ لاحظه ليث الذي قال ¤ الأمر ليس كما تظنينه خالة هناء، إسمعي! لقد وصلنا لوجهتنا، سأكلمك لاحقا، لا تقلقي! صاحت السيدة هناء بنفاذ صبر ¤طبعا سأقلق أنا قادمة، مريم يجب أن تعود إلى بيتها. ترجلت ورد من السيارة، فسمعته يخبرها قبل أن تغلق الباب ¤أدخلي أنت، سأقابل هشام وأعود. تمتمت : إن شاء الله. فناداها : ورد! عادت تنظر إليه عبر النافذة ¤ لا تخرجي! لأي سبب، كان اتفقنا؟ هزت رأسها تهديه ابتسامته بادلها إياها ثم انتظر إلى أن دخلت وانطلق إلى وجهته.