Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الحادى عشر

جلس قصي في مؤخرة القارب على الدرج وأسند ظهره إلى الحافة وهي جلست أمامه علىى مقعد جانبي ثم بدأ الحديث قائلًا: أكيد سمعتي عن عائلة الدالي، أنا الابن الوحيد لعزيز الدالي، الوريث الوحيد للإمبراطورية، أبويا عاش يشتغل ويكبر مشاريعه، للأسف كان دايمًا هو وأخواته داخلين مسابقة مع بعض، مين اللي حيبقى الأقوى، مين رصيده أكبر، وأنا اتطحنت في النص، من صغري وأنا معاه في الشغل، مش حأقدر أقول إني مكنتش عايش حياتي، بس كنت دايمًا حاسس إن في حاجة مقيداني، المهم كبرت ومسكت الشغل والفنادق، كان لازم أبقى قوي اوي عشان أقدر أمسك المنصب ده، حياتي ماشية بنظام معين، شغل وسهر وبنات وبس، مفيش أي حاجة مختلفة، الفترة اللي فاتت لقيت نفسي زهقت من كل حاجة، مبقاش في حاجة بتبسطني، بعمل أي حاجة بشكل روتيني، لكن مش حاسس بأي سعادة حتى لما بنجح مش بحس بطعم النجاح، من مدة قررت أني أعمل تغيير شامل في حياتي، قررت أبعد عن كل حاجة، وابدأ حياة جديدة، لكن واضح إن الصورة الجديدة مش عاجبة حد، وممكن يفتكروا أني ضعيف، لدرجة إن من يومين واحدة من البنات اللي عرفتهم الزبالة بتهددني بأنها تشهر بيا وبسمعتي، واضح إنها متعرفش هي بتتعامل مع مين!، متعرفش أني أقدر أدوس عليها زي الحشرة، بس أنا مستني شوية، أتاكد من حاجة في دماغي . ظلت شمس تستمع له وعندما انتهي بادرته وقالت بتهكم: عشان لما أقول أنك عيل نايتي، وتوتو في نفسك متبقاش تزعل . حدق قصي بها وشعر بالذهول من رد فعلها، ثم قال: أنتِ أكيد مجنونة، ازاي تكلميني كده؟ شهقت شمس بأسلوب ساخر وقالت: امال عايزني اكلمك ازاي يا عينيا، أقولك معلش يا بيبي، أنت اتعذبت اوي، وشفت اللي محدش شافه، يا بني أجمد كده وبلاش شغل العيال ده، تعبان من ايه؟، عشان معندكش مشاكل، زهقت من الراحة والرفاهية، مليت من البنات، طب ما طبيعي يحصل كده، عشان أنت بتتعامل معاهم زي ما بتتعامل مع شراباتك، بتغير فيهم على مزاجك، زعلان إن واحدة وقفت قدامك، كانت لازم تبقى زي القطيع وتسيبك تأخد اللي أنت عايزه وبعدين تسيبها، وبعدين أوجاع ايه ومشاكل ايه اللي قاعد بتوصف فيها، أنا مش شايفة قدامي غير واحد مبقاش حاسس بطعم حاجة، عشان عنده كل حاجة، بص يا عّم الأمور خليك في رفاهيتك وسيب المشاكل لناسها، وبلاش تشاركونا كمان في وجعنا، هو ايه الطمع ده كمان عايزين تشاركونا في الغلب بالعافية، ده ايه المرار الطافح ده . قال قصي مقاطعًا: يا بنتي افهمي، افهمي إحساسي، واللي... وهنا قاطعته شمس وقالت بأسى: افهم ايه؟ إحساس ايه اللي عايزني افهمه؟ تعرف ايه أنت عن الوجع؟، جربت ايه في حياتك منه؟ ولا حسّيت بحرمان من ايه؟ عمرك جربت إن عمرك يتسرق منك، ولا إن أحلامك تتكسر حلم ورا حلم قدام عينك، جربت أن قلبك يتشرخ من القهرة ومتقدرش تقول اااه ولا تشتكي، ولا إنك تضرب في ظهرك من سندك وحمايتك، أنت مشفتش حاجة غير الراحة والقوة، عمرك ما عرفت طعم الضعف والذل ولا حسّيت بكسرة النفس . صمتت شمس وشردت بعيناها بعيدًا وبلا وعي بدأت تتحدث وترمي أثقال تحملها فوق ظهرها منذ زمن بعيد بدون أن تشكو حالها أو تعترض: أنا كنت بنت زي أي واحدة عادية عايشة حياة جميلة، أمي الست رقية ليها واحدة صاحبتها اسمها خديجة، من كتر حبهم لبعض اتجوزوا اتنين أصحاب، وصمموا يعيشوا في عمارة واحدة، الباب قصاد الباب، اتولدت أنا وشريف ابن طنط خديجة، كنّا بنعمل كل حاجة مع بعض، مش بنسيب بعض إلا على النوم، كان بيخاف عليا ولو حد فكر يقرب ليا كان بيتخانق ويعمل مشكلة كبيرة، فضلنا كده لحد ثانية ثانوي، حياتنا وأحلامنا كانت كبيرة، وحبنا كمان . في الإجازة وقبل ما ندخل تالتة ثانوي أبويا مات، سندنا مشي وسابنا، وماما وقتها قررت إني لازم اسيب المدرسة واشتغل معاها عشان نقدر نصرف على أخواتي الصغيرين، حاولت كتير اقنعها بأني أكمل تعليمي وحأساعدها، لكن هي رفضت تمامًا، وقعدتني من المدرسة، وشغلتني معاها في الخياطة، شريف حاول يقنعها لكن مفيش فايدة، ولأول مرة سكتنا تختلف، هو راح المدرسة وأنا قعدت في البيت اشتغل، صدمتي كانت كبيرة، بس إصراري كان أكبر، رفضت قرار أمي وصممت أني أغيره، رحت لمدرستي وطلبت منها تساعدني أني أقدم ثانوية منازل، ومعرفتش أي حد، كنت خايفة أفشل ويقولوا يا فاشلة، بس أنا كنت مصرة على النجاح ونجحت، ولما رحت أقول لماما سكتت، خفت أقولها إني نجحت وعايزة أدخل جامعة لأحسن تقولي إني حأبقي عبأ علىها ومصاريفي حتبقى كتير، عشان كده قررت أنحت في الصخر، اشتغلت معاها في الخياطة، ورحت خدت كورسات في التصميم والإكسسوارات، وجنب شغلي معاها عملت شغل خاص بيا، وبدأت واحدة واحدة، لحد ما حبيت مجال الشموع واني اعمل منها أشكال وأبيعها للمكتبات ومحلات الهدايا، مع شغل الإكسسوارات، دخلت كلية فنون جميلة ودرست من غير ما حد يعرف، وكنت بشتغل ليل نهار عشان ماما متحسش بحاجة، وعشان أخواتي ميحتاجوش حاجة، كبرت شغلي وعملت جروب على النت بقيت بأعرض فيه شغلي، كل ده وشريف بيبعد عني، بقا ملهي في حياته الجديدة وجامعته وأصحابه، عمري ما توقعت إنه حيجي يوم ويقولي احنا مش حننفع لبعض، اليوم اللي كنت عاملة له مفاجأة إني كملت تعليمي وفاضل لي سنة واتخرج، لقيته جاي يقولي إن سكتنا مبقتش واحدة، وإنه صعب يتجوز واحدة مش معاها شهادة، لا والأحلى إنه حب واحدة زميلته وعايز يخطبها، يومها قلبي اتشرخ، حياتي كلها انهارت، أنا عمري ما عرفت شكل حياتي من غيره، هو الوحيد اللي كان في حياتي، هو كان سندي اللي كنت عمري ما اتخيل إنه ممكن يكسرني، يومها كتمت فرحتى، وقررت إني مش حأقوله وحأخليه يندم أنه اتنازل عني بسهولة، مكنتش بنام، كنت مواصلة الليل بالنهار، دراسة وشغل، واتخرجت وبدأت في الشغل اللي حبيته، وربنا كرمني بأني قابلت شاهي، عملت ليها شغل واتعرفنا وبقينا أصحاب، ولما قررت تستقر في مصر لقيتها بتقولي تشاركيني، وفرت ليا المحل اللي في عمارتها وعملته جإلىري خاص بشغلي، وبقا براند شمس ليه اسم ومكان وفِي طريقي أني أصدر بره مصر، ويوم خطوبته عزمني، أصله خلاص بقا يعتبرني أخته، رحت ولبست أشيك لَبْس وباركت ليهم في الكوشة وقلت له أني جبت له هدية جوازه، شهادة التخرج بتاعتي، ومشيت بعد ما شفت النظرة اللي كنت مستنياها، أنا نجحت بس قلبي لسه مكسور، عايشة بس من غير روح، بضحك وأنا كلي وجع، ودلوقتي البيه عايز يرجع تاني، بعد ما رماني، بعد ما خلاني فقدت الثقة في أي حد، أصعب حاجة إن الضربة تجيلك من البني ادم اللي لا يمكن تشك فيه . ااااه زفرتها بقوة بعد أن أخرجت كل مكنونات قلبها، بعد أن اعترفت بكل ما قاسته في الحياة بدون أي سبب، لا تعلم لم صارحته بكل هذا، فهي إلى الأن لم تواجه نفسها حتى به، ولكنها ألقت بكل ما بداخلها كأنها تلقي قنبلة كانت ستنفجر بها، هدأت قليلًا واستعادت ثباتها ونظرت نحوه، وجدته ينظر إليها وعلامات الصدمة والدهشة على وجهه لا يستطيع إخفائها فأكملت قائلة بسخرية: عرفت بقا إنك نايتي في نفسك، ومحتاج تنشف شوية، وتبطل شغل العيال التوتو دي، وبعدين لو البت دي فعلًا مش كويسة، الموضوع بسيط اوي سجل لها كلامها وهددها بيه، وريح دماغك يا كبير . حاول قصي أن يخفي ارتباكه وشعوره بالضآلة أمامها، ولكنه لم يستطع أن يخفي حيرته وفضوله اللذان لا يعلم مصدرهما وقال لها: طيب ليه رافضة ترجعي له طالما لسه بتحبيه؟ لمعت عيونها بالدموع وقالت: في فرق كبير بين الحب والعشرة، أنا كنت بحبه، كنت بحب صورة في خيالي كنت راسماها عنه، لكن الصورة دي اختفت وظهرت بدالها شخصية ما أعرفهاش ومش بحبها، أنا مش بحب البني ادم ده، أنا ما أعرفوش، ولا عمري قابلته، الإنسان اللي حبيته اختفى وبقا بداله واحد غريب عني، أنا الوجع اللي جوايا من الغدر، وجعي بسبب عمر طويل عشته وأنا عارفة أنا واقفة فين ومع مين، كان صعب بعد كل السنين دي أغير كل ده بسهولة، أكيد حأتجرح واتوجع، لكن رجوع تاني لا، الثقة لو اتعكرت بالخيانة عمرها ما حترجع تاني، زي المياه لو اتعكرت بتراب لا يمكن ترجع نقية تاني، وأنا لا يمكن أثق فيه تاني، ولا قادرة اغفر له اللي عمله، هو انتهى بالنسبة لي، لكن جوايا لسه محتاج وقت عشان ينسى . لا يعلم ما سر السعادة التي شعر بها والابتسامة التي على وجهه، لقد كان يتمنى أن يسمع منها تلك الإجابة، لا يستطيع تفسير لماذا؟، ولكنه شعر بالسعادة ولأول مرة منذ زمن، ثم نهض من مكانه وقال: يلا تعالي ساعديني عشان نرجع الفندق، عشان لسه حاسس بدوخة . بعد مرور ساعة وصل القارب إلى المرسى، وصممت شمس أن يذهبا إلى الطبيب أولًا وبعد الاطمئنان عليه وأنه فقط يحتاج إلى بعض الراحة، هرعت نحو غرفتها حتى تجد شاهي، ولكنها عندما وصلت لم تجدها هناك، أخرجت هاتفها وقامت بالاتصال بها، ولكن لا مجيب، شعرت بالقلق والغرابة، أين هي؟، وماذا حدث؟ رنين الهاتف أزعجها وجعلها تستيقظ من نومها، فتحت عيونها ببطء شديد، كانت تشعر بالكسل ولا تريد النهوض، ألقت ببصرها على الفراش بجوارها، وجدته ما زال مستغرقًا في النوم، ظلت تتأمله، كم هو وسيم.. جذاب.. مدت يدها تتحسس كتفه بأناملها، ثم اقتربت منه ووضعت رأسها على ظهره العاري واحتضنته وهي تشعر بنشوه وسعادة كانت تفتقدها منذ زمن بعيد، كانت متشبثة به لا تريد أن تفترق عنه، تريد أن تظل ملاصقة لقلبه، فهذا هو مكانها الطبيعي، أحضانه التي لن تمل منها أبدًا . استيقظ من إثر لمستها، شعر ببشرتها الناعمة على جسده، فتح عيونه فهو ما زال في شوق كبير لها، لم ولن يرتوي منها أبدًا ، يشعر أنه في حلمِ جميل لا يريد الاستيقاظ منه أبدًا، أدار جسده سريعًا لتسقط على صدره، واحتضنها بقوة كأنه يرسل لها رسالة بأنكِ ملك لي، ثم بدأ يطبع قبلات رقيقة على وجهها وأذنها ورقبتها: صباح الخير يا أميرتي، صباحية مباركة . تورد وجهها وشعرت بالخجل، دفنت وجهها في صدره وقالت: صباح الخير حبيبي . عاود الهاتف رنينه مرة أخرى، فالتقطته شاهي من جوارها ونظرت إلى اسم المتصل ثم صرخت قائلة: شمس.. ياربي أنا نسيتها خالص، ثم نهضت بذعر من الفراش وهي تبحث عن ملابسها وصرخت به قائلة: يلا بسرعة قوم البس . كررت شمس محاولة الاتصال أكثر من مرة، ثم قررت أن تستحم وتغير ملابسها وتذهب للبحث عنها، وبالفعل أنهت حمامها وارتدت فستانًا قطنيًا أبيض سريعًا ومشطت شعرها واتجهت لباب الغرفة للمغادرة وبمجرد أن فتحت الباب شهقت من الفزع ثم صرخت قائلة: خضتيني، كنتي فين يا مصيبة؟ عبرت شاهي الباب وجلست على الفراش، نظرت لها شمس بتعجب وأغلقت الباب ثم سارت نحوها وقالت: ايه اللي حصل؟ نظرت لها شاهي ورفعت يدها اليسرى وأشارت على إصبعها وقالت: أنا اتجوزت امبارح .

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514