مضت أيام و حمزة لا يستطيع التأقلم مع الوضع الجديد...لا يستطيع أن ينسي أبا بكر...لا يستطيع أن ينسي أصدقاءه...لا يدرس بهمّة كعادته و صامت معظم الوقت و متجه إلى الصلاة فقرر الأبالسة تجربة شئ آخر لإعادته إلي الحياة..فهم لا يريدون ذبحه ولا اتجاهه لمداواة جراحه بالصلاة وقراءة القرآن بل يريدون تطويعه دخل مارك ببذلته العسكرية يركض قائلا في فرح:: البشري يا حمزة...البشري حمزة_بغير حماس:: و ما ذاك؟؟ مارك:: أهلك...تستطيع بعث الرسائل والخطابات بحرّية إلي أهلك هبّ حمزة واقفا هاتفا بفرح لم يذقه منذ أيام:: هل أنت جاد؟؟ مارك:: نعم بالطبع....هاهي الأوراق والأقلام بيدي...قد سمحوا لك بها التقط حمزة الأوراق و الأقلام بشوق كبير فيما اتجه مارك إلي زجاجة خمر معه أفرغ منها القليل في كأسين رافعا يد و اليد الأخري نحو حمزة مصطنعا الفرح الشديد قائلا:: نخب الخطاب الأول حمزة_مبتسما:: أنت تعرف أنني لا أشرب الخمر يا مارك مارك_مصطنعا المرح:: حسنا حسنا...((ثم أفرغ كوبا من عصير التوت ناوله لحمزة قائلا))أشرب أنا نخبي ثم نخب صديقي العنيد حمزة ولتشرب أنت عصير التوت أيها المتزمت....بصحة أول خطاب للأهل حمزة_ضاحكا و قارعا كوبه بكأس مارك:: بصحة أول خطاب للأهل ثم تركه مارك ليخرج قائلا:: اتركك الآن وأعود لمكان خدمتي ثم أراك في ميعاد الدرس نظر إليه حمزة في عجب قائلا:: هكذا؟؟ وحدي أكتب؟؟ بلا رقيب علي ما أكتب؟؟ مارك_يغمز بطرف عينه:: بلدي هي موطن الحرية يا صديقي.. اكتب ما شئت بحرية فلن يعترض أحد قلمك ثم مضي بخطوات واسعة تاركا حمزة في نشوة فرحه ******* كان حسام يقفز صائحا في فرح:: إنه خطاب يا أبي...خطاب من حمزة يا أمي ثم ركض صاعدا درجات السلم الصغير الذي يفصل الدور الأول من البيت عن الدور الثاني حيث غرف النوم فالتقطه أبوه في منتصف السلم هاتفا:: ماذا؟؟ حمزة؟؟ ركضت حبيبة وياسمين وعمر نحو السلم فيما سمع الجميع صوت سعاد تهتف من حجرتها وهي لا تقوي علي النزول من فراشها:: ولدي حمزة....حبيبي ركض حسام نحو حجرة أمه وبيده الخطاب والجميع يركضون وراءه حتي دخلوا حجرة سعاد فوجدوها وقفت بجانب سريرها تستند إليه لكن قدماها الضعيفتان لم تستطيعا حملها فكادت تهوي أرضا فاحتضنها حسام بسرعة بذراعه السليمةو أسرع حمدي لإسنادها،نظرت بعينيه قائلة ودموعها تنهمر:: حمزة يا حمدي...ولدنا...صغيرنا قال حمدي في تأثر وقد أوشك على البكاء:: نعم يا حبيبتي...نعم...اهدئي الآن و سنقرأ خطابه معا...أرجوك اهدئي فقط...تعالي أجلسها في سريرها برفق و بدأ حسام يقرأ..كانت كلماته موجعة و تفيض حنانا وشوقا بكل لحظة حبس مرّ بها على مدار ثلاث سنوات...لم يسهب في شرح عذابه حتي لا يمزق قلوبهم لكنهم مع هذا استشفوا الكثير مما وراء الحروف والكلمات ومما وراء تلك الكتل السوداء علي الورق.... إنّ إدارة المعتقل خبّأت الكثير من عبارات الفتي خلف كتل سوداء من الحبر...و لكن هل هناك من يستطيع إخفاء عذاب الجحيم؟؟.... كانت سعاد و حبيبة وحسام وعمر تنهمر دموعهم مع كل كلمة من الخطاب في حين أطرق حمدي ليسيطر علي مشاعره أما ياسمين فقد التجأت إلي باب الحجرة المفتوح فاستندت إليه تكبح دموعها حتي لا يلاحظ أحد أن قدميها لا تستطيعان حملها قلبها يخفق بجنون وعنفوان يظهر جليا علي ملامح وجهها الجميل ولكن من يلاحظ هذا الآن ؟؟ فور أن أنهي حسام قراءة الخطاب نظرت إليه أمه قائلة:: أرني الخطاب يا حسام تردد حسام ونظر إلي أمه بعينين دامعتين بلا كلام ..إنه لا يريدها أن تري تلك الكتل السوداء حتي لا يكتوي قلبها اختطفته سعاد من يده ونظرت ...الكتل السوداء انغرزت بقلبها كسهام قاتلة...هناك كلمات كتبها ابنها و منعوها هم من الوصول إليهم...لعله كان يتألم عبر قلمه..لعله كان يصرخ عبر الورق...حتي صرخته الصامتة حبسوها....احتضنت ورقاته كأنها تحتضن ابنها نفسه وهي تبكي قائلة:: ولدي...اشتقت إليك يا حبيبي...اشتقت إليك احتضنتها حبيبة قائلة من بين دموعها:: أمي...أرجوك اهدأي قليلا...قلبك لا يحتمل هذا الانفعال أرجوك وما كادت تنهي جملتها حتي سقطت رأس أمها علي كتفها مغشيا عليها...صرخت حبيبة فيما حاول حمدي وحسام بجنون إفاقتها بلا جدوي فصرخ حسام:: ياسمين اذهبي واتصلي بالإسعاف حالا ركضت ياسمين إلي الطابق السفلي واتصلت بالإسعاف وما إن أغلقت سمّاعة الهاتف حتي تهاوت علي أقرب مقعد مخبئة وجهها بين كفيها هامسة من بين دموعها:: حمدا لله تعالي ،إنه بخير....حمدا لله ********* أشرقت شمس ليست ككل شمس...كأن الشمس الصبوحة الحنونة تشرق اليوم علي منزل حمدي فقط....تنشر نورها فيصافح آلامهم لعلها تخفف منها قليلا...اليوم ليس ككل يوم....لقد أصبح لحمزة محامي رسمي يتقدم بقضيته للمحاكم، لقد تم الاتفاق رسميا وأوراق القضية الآن بين يدي الأستاذ ((روجر))،بدت سعاد و كأنها أصغر بعشر سنوات،البسمة تنير حنايا وجهها،الثقة في الله تسكن قلبها،مازال هناك أمل،الشكر لك رباه عاد أحمد من عمله فركضت إليه حبيبة نازلة السلم لتستقبله...طبعت قبلة علي خده أحمد_مبتسما بصفاء وبهجة:: حبيبتي الصغيرة...جميلة أنت حين تفرحين حبيبة_بدلال::حين أفرح فقط؟؟ لمس وجهها بأنامله هامسا:: أنت جميلة بكل أحوالك صغيرتي المدللة قالت بدلال:: إذن أريد طلبا أحمد:: طلبك مجاب أميرتي حبيبة_مبتسمة:: أريد أن أؤدي مناسك العمرة معك ككل عام أحمد_في سعادة:: بالطبع حبيبتي وهذا ما كنت أنويه لكنني قلت لننتظر قليلا حتي تشفي أمي سعاد لنسافر ونحن مطمئنين حبيبة_تحتضنه مريحة رأسها علي كتفه:: لا تقلق حبيبي، أمي تتحسن بفضل الله تعالي، كما أننا سنتركها بأمانة أبي والجميع وهدي لن تتركها أيضا تركها ببطء مستفهما وبقايا ابتسامة مصدومة علي شفتيه:: هدي؟؟ حبيبة_بتلقائية:: نعم ...أنا اتفقت معها علي أن ترعى هي أمي طبيا من الآن فصاعدا بدلا من ممرضتها ...حتي إنّ أمي ترتاح لها كثيرا، فما رأيك؟؟ كانت نظراته كمن وقعت علي رأسه كارثة،لا يستطيع إخفاء نظرته المصدومة،لماذا تتعقد الأمور إلي هذا الحد؟ ترى،ماذا يخبئ له القدر؟