كانت ريتاج جالسة بغرفتها حزينة تتذكر ما حدث معها منذ عام، حين كانت تظن أن الحياة وردية، ولاشيء قادر على تعكير صفوها، عادت بذاكرتها للماضي حين كانت لا تزال تحب، وتنعم بالحياة. ظلت ريتاج جالسة تنظر لسيف تتأمل قسمات وجهه غير مصدقة أنها تجلس أمامه، وأخيرًا عن قريب سيتحقق حلمها، وسيصبح لها للأبد، ما زالت إلى الآن لا تصدق أنه أخيرًا سيصبح لها، وللأبد، لكم تعشقه وتهيم به حبًا، لقد شغفها عشقًا، وأذاب قلبها من نظرة واحدة، أسرها بحبه وباهتمامه وحنانه عليها وخوفه الدائم عليها وحرصه الدائم على حمايتها وأن يدافع دائمًا عنها ضد أي شيء يحاول أذيتها. نظر إليها سيف ليجدها تحدق به، وذهنها شارد. فما كان منه إلا أن أمسك يدها بين يديه ورفعها لفمه، لتنتبه هى إليه وتمنحه ابتسامة عذبة تذيب قلبه من روعتها. ليهمس لها سيف قائلًا بحب: -"الجميل سرحان فى إيه، يا ترى إيه اللي واخد عقلك؟" ريتاج: "مفيش، واحد حبيبي كده مجنني، ومطير النوم من عيني بس، هو اللي واخد قلبي وعقلي، مش بس قلبي وعقلي، دا شاغل كل حياتي. انت عارف أنا نفسي أعمل ايه؟" سيف بتساؤل: "ايه؟!" -"أطلع فوق الترابيزة، واصرخ، وأقول بحبك". سيف بمرح: "مجنونة حقيقي". انتبهت من شرودها على صوت والدتها: -"مالك يا حبيتي، إيه اللي شاغل بالك كده؟!" ريتاج بحزن: "ها؟ لا مفيش يا أمى". والدتها بمحبة صادقة: -"انسي وعيشي حياتك يا بنتي، إنتي لسه صغيرة، والحياة قدامك ماتوقفيش حياتك على حد باعك". ريتاج بصوت حزين وعيون ملئية بالدموع: -"له حق يبيعني ويبعد عني، عايزة ازاي يفضل يحبني وأنا بقيت مشوهة؟! إيه اللي هيجبره يقضي طول حياته مع واحدة مشوهة؟!". والداتها بحنان صادق: -"صدقيني، هو الخسران، الجمال جمال الروح مش جمال الشكل، وبعدين انتي ذنبك إيه؟ هو بإيدك؟ دي حادثة حصلتلك، ملكيش ذنب فيها، ما كان ممكن تنجي بنفسك وبحياتك، بس انتي لما شوفتي النار محاوطة الفصل اللي كان فيه أطفال صغيرين، والكل كان خرج لكن فضلت طفلة صغيرة معرفتش تطلع، صممتي رغم معارضة الكل إنك لازم ترجعي وتنقذيها، وفعلا أنقذتيها، لكن لما جيتي تخرجي النارشوهت وشك". حين تذكرت ريتاج الحادث، أخذت تبكي بشدة وتتحسر على نفسها وشبابها الذي ضاع. عزمت والدتها على محاولة إخراجها من تلك الحالة، والبحث لها عن عمل حتى تنشغل به، وتنسى أمر تشوهها الذي تسبب في انعزالها عن الجميع والاستقالة من عملها بالمدرسة. أخذتها والدتها بأحضانها وأخذت تربت عليها بحب حتى تهدأ. تمر الأيام، وكل يوم تبحث والدتها بالجرائد عن عمل يناسبها إلى أن قرأت ذات يوم خبرًا بإحدى الجرائد عن رجل أعمال يطلب مدرسة لابنته الصغيرة التي تبلغ من العمر5 سنوات. لم تتردد والدتها لحظة واحدة، وطلبت رقم الهاتف المرفق بالإعلان، وحددت لها ميعادًا لإجراء المقابلة. ثم دخلت إلى ابنتها، وجلست إلى جوارها، وبدأت تحدثها عن الموضوع وتحاول بشتى الطرق إقناعها أن تذهب لعمل الانترفيو. رفضت ريتاج في بادئ الأمر، لكن والدتها لم تَكُفَّ عن الحديث معها حتى اقنعتها. بالفعل وافقت ريتاج بعد إلحاحٍ كبير، هي لم تكن محجبة، لكن لكي تداري هذا الجزء المشوه من وجهها ارتدت وشاحًا لكي تخفي الجزء المشوه من وجهها. جاء الميعاد المحدد لعمل الانترفيو، وذهبت ريتاج وهى مقتنعة أنها مرفوضة قبل أن تجري المقابلة. جلست فى انتظار دورها، ولما جاء دورها، دخلت الغرفة التي ستُجرى بها المقابلة. حين دخلت رفعت رأسها لثوانٍ لتتأمل ذلك الشاب الذى يقف مستندًا على حافة مكتبه، على الفور شعرت بالراحة تجاهه، وتمنت لو يوافق عليها، ويدعها تعمل لديه. كان شابًا بشوش الوجه، لكنَّ عينيه ملئيتان بالحزن، منذ وفاة زوجته كان الحزن صديقه الوفيَّ، حين شاهدها اعتدل فى وقفته ومد يده يرحب بها. مدت يدها على استحياء، وجلست لتجري اللقاء. حين انتهى من طرح كل أسئلته عليها، نهضت لتستعد للانصراف، وأخبرها أنه سيتصل بها فى حال احتاجوا إليها. انصرفت ريتاج، وهي متيقنة أنه سيرفضها، فمن تكون هي وسط كل الجميلات اللاتي كُنَّ معها يوم اللقاء. مر يومان على إجرائها للمقابلة، وفوجئت ريتاج بهاتفها يصدح، أجابت ريتاج على الهاتف لتُفَاجَأ بأنه هو ذلك الشاب الذي أجرى معها المقابلة. تحدث إليها قائلًا بجديه: -"لو سمحت ممكن تيجي بكره علشان تستلمي الشغل". يجب أن تذهب إليه غدًا صباحًا. بالفعل ذهبت وتسلمت عملها، وباشرت فورًا مهام عملها، واكتسبت ثقة الصغيرة سريعًا، وأحبتها. أثناء ذلك، كان رب عملها يراقبها، ويرى كم هي حنونة وهي تعلم الصغيرة، لم تنهرها مرة، أو تصيح بها غاضبة. أخذ يراقبها كل يوم حين كانت تأتي للتدرس للصغيرة، وبعد أن اطمأن لأنها هي الفتاة المناسبة قرر أن يتخذ تجاهها خطوة جدية. وذات يوم حين أنهت عملها، عادت إلى المنزل لتُفَاجَأ برب عملها جالسًا مع والدتها مما أثار دهشتها، وحين شاهدتها والدتها، نهضت وهى فرحة لتهتف لها قائلة بسعاده شديدة: -"مبروك يا حبيتي، الأستاذ شريف طلب إيدك مني". صُعقت ريتاج حين سمعت حديث والدتها، تركتهما وفرت هاربة إلى غرفتها. اندفع شريف وراءها لكي لا يترك لها مجالًا للهرب، وحين دخل الغرفة بعد أن طرق الباب، وجدها تبكي، مما آلمه وتمنى لو يستطيع احتضانها ليخفف عنها أحزانها. هتفت به قائلة بأسًى يغمر روحها دون أن تلتفت إليه: -"أستاذ شريف، من فضلك امشي وسيبني، أنا عارفة إنى صعبت عليك، وقلت تعطف عليا وتتجوزني، بس أنا مش عايزة شفقة من حد" وكشفت له وجهها المصاب، وهتفت به: "شوف، أنا هي دي، إنسانة مشوهة، مش هتقدر إنك تعيش مع واحدة مشوهة". اقترب شريف منها، وجلس على ركبيتيه أمامها، وأخرج علبة قطيفة وفتحها، وهمس إليها: " بحبك، أنا بحبك على فكرة، لما راقبتك وانتي بتدرسي لبنتى، وشوفت قد إيه البنت اتعلقت بيكي وحبتك، اتأكدت ساعتها إن اختياري في محله، وإنك جميلة شكل وروح، صدقيني كتير ناس جميلة لكن روحها مش حلوة، وناس كتير جمالهم مايتوصفش لكن مشوهين من جواهم. أرجوكي اقبلي إنك تتجوزيني علشان انا مش هتحرك من هنا إلا لما توافقى". صرخت فيه بحزن ودموعها تنهمر على وجنتيها دون توقف: -"أنا مش هقبل أبدًا إنك تعيش مع واحدة زيي، أنت ذنبك إيه إنك تقضي طول حياتك مع واحدة مشوهة". رفض شريف أن يتركها بالرغم من معارضتها الشديدة، فكان يرسل لها الورود كل يوم، ويأتي إلى زيارتها. وقد عزم أمره أن يقنعها بالزواج منه، فهو لن يجد أمًّا لابنته ولا زوجة وفية تشاركه حياته البائسة التي أنارتها منذ دخلت إليها برقتها وبرائتها. بالفعل توجه إلى منزلها، وما إن دخل إلى المنزل تحدث إلى والدتها قائلًا بود: -"أنا طالب إيد بنت حضرتك للمرة الثانية، ومصمم على كلامي، ومش هسمح لها إنها ترفض، أنا جبت معايا المأذون واتنين شهود". هللت والدتها قائلة بفرح: -"ربنا يخليك يا ابنى، أنت ابن أصول والله أنا هخش أكلمها على ما تشرب العصير". ذهبت لغرفة ريتاج وجلست تتحدث معها، ولم تتركها إلا وقد اقتنعت بالموافقة على الزواج، وحرصت على أن تبدل ملابسها بأخرى. تم عقد القران وسط فرحة شديدة من الجميع. بعد مرور عدة سنوات، أصر شريف على أن يجري لها عملية تجميل بالرغم من اعتراضها، حتى لا تصر على إخفاء وجهها كلما كانت برفقته. عاشوا معًا بسعادة هما وطفلاهما سما وحسن. احتضنها هامسًا لها بحب: -"ربنا يخليك ليا يا حياتي، ويديمك طول العمر ليا" قالت له بعيون تشع سعاده: -"ربنا يخليك ليا، انت اللى راجل بجد بحمد ربنا إنه رزقني بيه، ويا رب ما يحرمنيش منك..".