كانت هدى تشعر ببعض الآلام وبدأت تزداد هذه الآلام فقررت الذهاب إلى الطبيب لتطمئن على صحتها. (في عيادة الطبيب) كانت هدى تجلس أمام الطبيب بعدما فحصها منتظرة أن يبدأ حديثه معها ليخبرها بطبيعة حالتها المرضية. بدأ الطبيب بحديثه ببعض الأسئلة الروتينية عن تاريخها المرضي وهل هي تعاني من أي أمراض أخرى أو تتناول أي نوع من الأدوية، وسألها قائلًا: أستاذة هدى منذ متى وأنتِ تشعرين بهذه الأعراض؟ أجابته هدى: منذ أكثر من ثلاثة أشهر. أمسك الطبيب قلمه وتحدث وهو يكتب بعض الكلمات باللغة الإنجليزية على إحدى أوراقه الموضوعة على مكتبه قائلًا: حسنًا، أرجو منكِ أن تجري هذه الأشعة والتحاليل وأن تأتي لي بنتيجة هذه الأشعة فور صدورها للأهمية، ونصحها أن تجريها في أسرع وقت وأكد عليها أن لا تهمل في إجرائها. شعرت هدى بالقلق من تأكيد الطبيب ضرورة إجراء هذه الأشعة والفحوصات فسألته قائلة: هل الأمر خطير لهذه الدرجة؟ ابتسم الطبيب ليطمئنها قائلًا: لا يوجد ما يقلق ولكنه إجراء روتيني للاطمئنان فقط كي أكتب لكِ الأدوية المناسبة. نظرت هدى بشكٍ للطبيب ولكنها فضلت ألا تسبق الأحداث، وغادرت بعدما أخذت ورقة الفحوصات المطلوبة. عادت مرة أخرى للمنزل وهي تشعر بخوفٍ دب في أوصالها فضلت ألا تخبر زوجها بالأمر إلا بعدما تجري هذه الفحوصات. في صباح اليوم التالي ذهبت هدى لإجراء الفحوصات المطلوبة منها دون أن تخبر أحد حتى ماهر أخفت الأمر عنه، وعادت الى المنزل وفضلت الابتعاد قليلًا عن ماهر وتقليل المكالمات بينهما كي لا تضعف وتخبره بمرضها الى أن تتأكد من نتائج الفحوصات، وقررت العودة إلى ربها فلقد شعرت أنها ابتعدت عنه منذ بدأت تتحدث مع ماهر فقررت أن تصلي وتتقرب من ربها من جديد، بدأت تشعر بفظاعة ما فعلته، وكأن شعورها بالمرض المفاجئ كان بمثابة جرس الإنذار الذي نبهها لما تفعله. مرت الأيام وهي تنتظر نتيجة هذه الفحوصات ولكن قضت هدى تلك الأيام تصلي وتقرأ القرآن وعادت هدى لطبيعتها التي كانت عليها قبل ظهور ماهر في حياتها، عادت تتابع أبناؤها من جديد وتتجاذب معهم الأحاديث وتشاركهم لحظاتهم السعيدة وتحاول أن تساعدهم فيما يواجهون من صعوباتٍ دراسية، ولكن ما زاد عليها عودتها للكتابة من جديد فلقد كانت هدى تكتب ما تشعر به تجاه زوجها ويعجز لسانها عن التفوه به، لم تكن تدرك للحظة أن ما تكتبه سيأتي يومًا ويقرأه حسام زوجها. فتحت دفتر يومياتها وبدأت تقرأ ما كتبته منذ فترة، (كنت أسمع دائمًا كلمة "وحدة" كنت أسمع وأقرأ الكثير عن تجارب الناس القاسية لتلك الكلمة "الوحدة" لكن لأول مرة أتجرع مذاق هذه الكلمة المر، لأول مرة أحيا تلك الحالة, حالة من الوحدة شديدة وقاسية، حالة لا متناهية من الألم وكأنها متاهة كُتِبَ عليّ التيه بداخلها، كلما شارفت على الخروج منها أكتشف بأنني بدأت متاهة أخرى أشد تعقيدًا من سابقتها. أصعب ما بهذا الشعور هو أن تشعر بالوحدة وأنت مع من أحببت، من أعطيتهم سنوات عمرك وقلبك وكأنها هدية ثمينة لم يقدروها يومًا ما، لا أدري من منا المسئول عن تلك الحالة وهذا الشعور؟. هل حقًا الحب خطيئة؟ هل حقًا حب الزوجة لزوجها خطيئة؟،هل لابد لكي أحيا بهدوء وأمان أن أتخلى عن قلبي، وأن أحيا دون قلب؟. تراني يا زوجي العزيز قوية ولكن حقيقة الأمر أنا لست قوية إلا بك، تراني أقوى على مواجهة كل شيء ولكن يا عزيزي كنت أقوى بك أنت على مواجهة هذه الأيام. لم أكن أدرك أن العشق ألم حقًا أدركت هذا الألم وتجرعته على يديك. وسلامًا على من سكن القلب بهواه، وبدروب العشق تشابكت يدي بيداه. تراني زوجة وأراك رفيق دربي، كنت لي احتواء فكنت لك حياة. لقد كنت سندي وكنت لك عونًا، كنت لي دومًا الأمان وكنت لك الدنيا وما فيها. فارس أيامي وأحلامي فأنا كنت ملكة تتوج حياتك أما آن الأوان للإعتزال؟ هرمت وأنا أشتاق إليك. بات قلبي يلفظ أنفاسه الأخيرة في محراب عشقك الأسود بيأسٍ، عشق بات كصحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء حبيبي أريد اعتزال عشقك, فها قد حانت اللحظة التي تتنازل فيها الملكة عن عرش حبك بيأس. حب محفوف بالفشل المحدق فكيف لزهرة أن تحيا بالبستان بدون البستاني؟ دون ماء دون الهواء! باتت رغبة ملحة أن تترك ليدي العنان، وأن تعطيني حريتي فأنا لا زلت وسأزال أجاهد للبقاء أجاهد للتعافي من عشق أسود كُتب على القلب تجرع سواده. انتهت من قراءة ما كتبته وبدأت بكتابة كل ما مرت به منذ لقائها بماهر صدفة إلى لحظة لقائها في منزل صديقه، كانت كتابة هدى ليومياتها يمثل لها الحياة وما فيها فكانت تشعر براحة غريبة بعد الانتهاء من كتابة ما يضيق به قلبها، وجدت في الكتابة راحة لها وجدت فيها زوجها الذي تشتاق إليه وتشتاق للحديث معه (فكل ما يعجز لسانها بنطقه له ينطقه قلبها ويترجمه قلمها إلى سطور في دفتر يومياتها، لتشعر لعدها براحة كبيرة وكأنها كانت بجلسة علاج نفسي). بعدما توقفت هدى عن لقاء ماهر ومكالمته بدأت تشعر أن ما كانت تشعر به ليس حبًا حقيقيًا ولكنها مجرد نزوة، وما كانت تشعر به في الماضي كان حبًا ولكنه حب أول ودائمًا الحب الأول يكون طي النسيان. في اليوم المحدد لاستلام فحوصاتها الطبية.. ذهبت هدى للطبيب وهي تحمل نتائج فحوصاتها الطبية وبعد قليل من وصولها كانت تجلس أمام الطبيب تحاول أن تقرأ تعبيرات وجهه وهو يقرأ هذه النتائج بدقة وصمت وملامح لم تستطع قراءتها أو استنباط ما يدور حولها. مرت الدقائق عليها وكأنها دهر فما أصعب لحظات الانتظار التي تمر علينا جميعًا كدهر من الزمان على الرغم من أنها مجرد لحظات تبدو للبعض قليلة ولكنها للمنتظر طويلة وبطيئة. دقائق وأغلق الطبيب الأوراق وأعطاها لها واعتدل في جلسته وعدل وضع نظارته الطبية على وجهه وتحدث قائلًا بجدية الأطباء المعهودة: أستاذة هدى أنا طبيب صريح وأحب أن أصارح مرضاي بطبيعة حالتهم المرضية. تأهبت هدى لسماع ما سيخبرها به الطبيب قائلة: وأنا أرجو منك ذلك أيها الطبيب، أرجو أن تخبرني طبيعة حالتي بمنتهى الصدق والشفافية. هز الطبيب رأسه مؤيدًا لكلامها قائلًا: أستاذة هدى لقد أخبرتني أن ما تشعرين به من آلام بدأ منذ ثلاث شهور. أومأت برأسها مؤكدة صحة ما ذكره لتوه. أكمل الطبيب حديثه قائلًا: للأسف ما أراه الآن يقول عكس ذلك وأن هذا الألم كان معك منذ زمن طويل ولكن من الممكن أن تكون مجرد آلام خفيفة لم تلقِ لها بالًا كعادتكم أنتن النساء تهملن في صحتكن ولا تهتممن لما تشعرون به من آلام. ثم أكمل أنا آسف فما تشعرين به من آلام وما ظهر في الفحوصات يخبرنا بإصابتك بمرض السرطان ولكن من لطف الله بكِ أنه في مراحله الأولى ونسبة الشفاء منه كبيرة والأمر كله بيد الله ولكن لابد أن نبدأ العلاج في أسرع وقت. كان لكلمات الطبيب وتشخيصه عليها وقع سيء وكأن تلك الكلمات كانت تزل كصاعقة واحدة تلو الأخرى كانت تصعق قلبها الضعيف الذي لم يعد يحتمل قسوة من الأيام أكثر من ذلك، لمعت الدموع بمقلتيها ولكنها كانت تجاهد لتبقيها محبوسة كي لا تخونها دموعها وتهبط أمام الطبيب. بدأ صوت الطبيب يبتعد عن مسامعها رويدًا رويدًا وهبت واقفة وغادرة المكان بسرعة دون أن تستمع لباقي حديث الطبيب. كانت تسير بالشوارع دون وعي تذرف عينيها الدموع, لم تحاول هذه المرة سجن دموعها، لم تعرف إلى أين تذهب، أرادت أن تجري على "حسام" زوجها لترتمي بأحضانه وتشاركه أوجاعها وآلامها، ولكنها أبت أن تتسول منه شفقة أو اهتمام مصطنع. ظلت هائمة على وجهها بالشوارع إلى أن جلست على إحدى المقاعد المصفوفة على كورنيش النيل جلست تتأمل نهر النيل وشردت تفكر بما أصابها فكل ما كان يحزنها هم أبنائها فهي لهم كل شيء، من سيهتم بهم من بعدها هذا كل ما كانت تفكر به ويشغل بالها. عادت إلى المنزل شاحبة الوجه منتفخة العينين من كثرة البكاء، حمدت ربها أن زوجها لم يعد للمنزل بعد، وأن أولادها في غرفهم مشغولون بأداء واجباتهم المدرسية. ذهبت إلى غرفتها ودست أوراق الفحوصات بين ملابسها كي لا يراها زوجها أو أحد من أبنائها، وقررت إخفاء الأمر عنهم جميعًا كي لا يتأثر نظام حياتهم بمرضها، وفضلت أن تكون سبب سعادتهم لآخر لحظة في حياتها، وقررت أن تقضي معهم ما تبقى من أيامها معهم تسعدهم وتتعب على راحتهم أرادت أن تشبع روحها بهم قبل أن تترك هذا العالم. على الجانب الآخر كان ماهر يشتعل غيظًا من بُعدها المفاجئ عنه وعدم ردها على مكالماته كان يثير جنونه وغضبه، شعر أنها تتهرب منه وتريد الابتعاد عنه، فقرر أن ينتظر إلى صباح اليوم التالي ويحاول معها محاولة أخيرة قبل أن يتخذ أي قرار لهدم بيتها وحياتها. في الليل خلد الجميع إلى النوم عداها هي ظلت مستيقظة طوال الليل تفكر فيما حدث وتفكر في الحكمة من وراء ذلك، وأول من قفز إلى ذهنها هو ماهر يجب أن تحسم أمرها معه وتخبره بقطع علاقتها به وأنها ستطلب منه الخروج من حياتها للأبد، قررت أنها ستنفذ هذا الأمر في الصباح.