ففي صباح إحدى الأيام طلب منها ماهر أن يلتقيا في إحدى الأماكن فلقد مل من مكالمات الفيديو، يريد أن يشعر بوجودها، يريد أن يلمس يديها يريد أن يشعر بوجودها معه فمكالمتهما زادت شوقه إليها " كانت تلك مجرد خدعة والمدخل الرئيسي لتنفيذ خطته ". في البداية رفضت هدى طلبه خشية أن يراها أحد معه ويذهب ليخبر زوجها، ولكن في النهاية وافقت بعد إصرار وإلحاح ماهر لها وخاصة بعدما بدأ يشكو لها مأساته وحياة الشقاء التي يعيشها مع زوجته، وبدأ يسرد لها ما تفعله معها زوجته، وكيف أنه كان يبحث عنها في زوجته ولكن للأسف لا يوجد سوى هدى واحدة. أشفقت هدى على حالته ووافقت على لقائه مرة أخرى في إحدى الأماكن العامة، فلقد كان لقائهم الأول صدفة في إحدى الأسواق وها هو لقائهما الثاني. ذهبت هدى للقائه في إحدى الأماكن العامة بعدما افتعلت سبب مزيف لتستأذن زوجها في الخروج من المنزل هذا اليوم، وبالطبع وافق "حسام" وسمح لها بالخروج لقضاء متطلباتها، وجلسا سويًا وبدأ ماهر يتغزل بجمالها الأخاذ تارةً وتارةً أخرى يشكو لها مأساته المزيفة مع زوجته، وصور لها صعوبة حياته معها. صُدمت هدى بعدما أخبرها ماهر أن زوجته عاقر لا يمكنها أن تنجب له أولاد، وتهديد أهلها له بالسجن إذا حاول الزواج بغير ابنتهم، وخاصة وأن معهم أوراق موقعة منه يمكن أن تسجنه بسهولة. بدأت هدى تشعر بتأنيب الضمير لرفضها الزواج منه بالماضي وأنه كان يمكن أن يحظى بفرصة جيدة لحياة أفضل معها. يا لها من امرأة ساذجة سقطت فريسة بكل بساطة لشيطانٍ بشري كل ما يشغل تفكيره هو الفوز بها بشتى الطرق حتى إن كانت محرمة فهو لا يهمه سوى الانتقام منها على رفضها له في الماضي فشيطانه صور له أن رفضها الارتباط به ورفضها لحبه هو إهانة لا تغتفر يجب أن تدفع ثمنها ولو بعد سنوات. في إحدى المرات التي ذهبت هدى للقائه بسذاجة لم تدرك ما خطط له ماهر. فأثناء جلوسهما معًا يتجاذبان أطراف الحديث – فكانت لقاءاتهم المتعددة لا تتعدى تبادل الأحاديث ما بين الأحاديث الرومانسية التي يبثها ماهر إليها، والتي كانت هدى أيضًا تبادله بعضًا منها، وبين الأحاديث عن مأساة كل منهما- اقترب منهما أحد الأشخاص وألقى التحية على ماهر فوقف ماهر ليصافحه فسأله هذا الشخص وكان يدعى "أحمد" عن هدى قائلًا بجرأة تسبب لها في إحراج شديد: هل هذه زوجتك يا ماهر. فنظر ماهر لهدى بأسى مصطنع ثم التفت إلى أحمد قائلًا بمكر فهمه الأخير: نعم هذه زوجتي "مها" دُهِشت هدى مما تفوه به ماهر لتوه مع هذا الشخص الذي لم تشعر هدى تجاهه بالألفة فلقد كان "أحمد" شخصية غريبة الأطوار لا تبدو ملامحه مريحة بالمرة لها، وقفت على الفور استأذنت منهما مدعية الذهاب إلى الحمام، ولكنه مجرد إدعاء كي تغادر المكان كله مبتعدة عن هذا الموقف السخيف الذي وضعها به ماهر بما تفوه به من سخافات أمام هذا السمج. جلس ماهر وهو يضحك بسخرية على سذاجتها عندما أخبره النادل بمغادرة السيدة التي كانت برفقته من المكان, فلقد اتفق ماهر مع أحد نادلي هذا المكان في وقتٍ سابق بأن يراقب هدى ويبلغه حينما تغادر المكان. جلس أحمد معه على الطاولة وهو يضحك أيضًا على الموقف الذى وضع ماهر هدى فيه، فلم يكن مجيء أحمد من محض الصدفة, بل كان لقاء مدبر من قبل ماهر كي ينتقل إلى خطته التالية. وصلت هدى لمنزلها وبدأت بمباشرة أعمالها المنزلية بعصبية شديدة، وكانت تسب ماهر وتلعنه كيف له أن يخبر صديقه بأنها زوجته، وبدأت توبخ نفسها لما تلوم ماهر وتلعنه؛ بل يجب عليها أن تلوم نفسها فهي من وضعت نفسها بهذا الموقف السيء. مرت عدة أيام لم يتحدث فيها ماهر وهدى كعادتهما معًا، بدأت هدى تتبدل شخصيتها بصورة ملحوظة، فلقد أصبحت شخصية عصبية دائمة التوتر على عكس شخصيتها تمامًا فلم تعد هدى الأم البشوشة بوجه أولادها، ولا الأم التي تستمع لأحاديثهم اليومية، باتت شاردة طوال الوقت وكأنها هائمة على وجهها في ملكوتٍ آخر بعيدٍ كل البعد عن الواقع؛ ومما زاد شرودها اختفاء ماهر وانقطاع أخباره عنها، وانقطاع مكالماته لها، باتت كَالمدمن الذي حُرِمَ جرعته اليومية من المخدرات، بل ومما زاد الأمر صعوبة عليها ملاحظة "حسام" زوجها لهذا التغيير ولكنه لم يلقَ بالًا كعادته ولم يهتم بالأمر بل اعتقد أنه مجرد حالة ملل عابرة من حالاتها المتكررة، وكان ينظر للأمر من وجهة نظر أنانية جدًا ففي اعتقاده أن زوجته تحيا حياة الرفاهية ولا ينقصها شيء، بل يجب أن تحمد الله في كل وقت على هذه النعمة التي تحيا فيها، لم يكن يعرف أن تلك النِعم التي يحصيها لها داخل عقله هي بمثابة سجن ولكنه سجن حريري هش الجدران سينهدم على رأسيهما لا محالة. حاولت هدى الاتصال بماهر أكثر من مرة ولكن هاتفه كان مغلق باستمرار، حاولت التواصل معه على الانترنت ولكن دون جدوى وباءت محاولاتها بالفشل. ومرت الأيام على هذه الوتيرة أسبوع كامل يتآكل القلق قلب هدى خشية حدوث شيئًا ما، فمنذ أن بدأت علاقتها بماهر كانت دائمًا تشعر بهذا الشعور الغريب ولكنها لم تستطع تحديد ماهية هذا الشعور.. إلا أن جاءها اتصال هاتفي من رقم مجهول بالنسبة لها لكنها لم تهتم في بداية الأمر للإجابة على هذا الاتصال، ولكنها بالنهاية تلقت هذا الاتصال بعد معاودة هذا الرقم الاتصال بها عدة مرات. لتتفاجأ بأن المتصل هو "أحمد" صديق ماهر الذي رأته به أثناء جلوسها مع ماهر آخر لقاء فتلعثمت في بداية الأمر بعدما علمت أن صديق ماهر هو المتصل فتحدثت بثبات زائف ورسمية شديدة قائلة: أهلا أستاذ أحمد ماذا تريد؟ ومن أين لك برقم هاتفي هذا؟ ابتسم أحمد بخبث شيطاني لم تره هدى وتحدث بتوتر مصطنع قائلًا: آسف على إزعاجك في هذا الوقت المبكر، لكن ماهر هو من طلب مني أن أتصل بكِ لأخبرك أنه مريض، ولهذا لم يستطع التواصل معكِ في الأيام الماضية لذا طلب مني هذا وأعتذر مرة أخرى على إزعاجك، وأردت أن أعتذر منكِ أيضًا على سوء التفاهم الذي حدث أثناء لقائي بكما منذ عدة أيام فلقد اعتقدت أنكِ زوجة ماهر لأني لم ألتقِ بها من قبل، وكان ماهر يمزح معكِ ومعي أيضًا ولكن بالأخير أوضح ماهر لي حقيقة الأمر. كانت هدى تسمعه ولم تتفوه بكلمة واحدة، وكاد أن ينهي المكالمة ولكنه تراجع في آخر لحظة عندما سمع صوتها المهتز بخوفٍ شديد وصادق على ماهر وهي تسأله عن حالته قائلة له: ماذا أصابه وكيف حاله الآن وهل زار الطبيب ليطمئن على صحته؟ ابتسم أحمد بخبث ولقد شعر بنجاح أول خطوة بخطة صديقه وقال بحزن مصطنع: للأسف ماهر مريض منذ سنوات ولكن أصبحت حالته خطيرة بسبب إهماله في تلقي العلاج. تحدثت هدى وهي لا زالت تشعر بالخوف عليه قائلة: أين ماهر الآن أريد أن أتحدث معه لأطمئن عليه. للأسف ماهر بعد تناوله جرعة الدواء نائم الآن، قال أحمد جملته وهو يبتسم بجانب فمه فها هو مبتغاهما بدأ يتحقق الآن. صمتت هدى تفكر قليلًا في طريقة كي ترى ماهر وتطمئن عليه، يبدو أن أحمد قرأ ما يدور بخُلدها فتحدث بسرعة قائلًا: إذا كنتِ ترغبين برؤية ماهر والاطمئنان عليه يمكنكِ الحضور لرؤيته فهو موجود حاليًا في منزلي. رفضت هدى هذا الاقتراح قائلة: كيف لي أن أحضر إلى منزلك لرؤيته؟ كلا لا يمكنني الذهاب إلى هناك، ولكن يمكنك أن تطمئنني عليه بمجرد أن يستيقظ، تحدث أحمد بسرعة مطمئنًا إياها: يمكنكِ المجيء لرؤيته نحن لسنا بمفردنا بالمنزل فهذا منزل والدتي وأنا أسكن معها، وماهر مقيم معنا هذه الأيام نظرًا لمرضه وسفر زوجته فأنا من أحضره إلى المنزل كي لا يبقى وحيدًا في هذه الحالة. شعرت هدى بشيء من الطمأنينة عندما أكد لها أحمد وجود والدته معهما بالمنزل؛ فأخبرته برغبتها في زيارة ماهر ولكن ماذا ستخبر والدته إذا سألتها عن صلتها بماهر. أكد لها أحمد أنه سيحل هذه المسألة وسألها متى ستحضر لرؤية ماهر؟ نظرت هدى في ساعة اليد التي كانت تزين رسغها ورأت أن الوقت مناسب وستذهب لرؤية ماهر ثم تعود بسرعة قبل عودة أولادها من المدرسة، وأخبرته أنها ستأتي الآن وطلبت منه أن يرسل لها موقع المنزل على تطبيق "واتساب" وأنهت المكالمة وتوجهت على الفور إلى غرفتها لتبدل ملابسها، واتصلت بزوجها لتستأذنه في الخروج لجلب بعض الأغراض المنزلية. وافق "حسام" على طلبها وأذن لها بالذهاب، ولكن تعجب لخروج هدى المتكرر في الآونة الأخيرة على غير عادتها فهي كانت لا تحب الخروج من المنزل، وكانت تحب أن تحضر أشيائها بوفرة كي لا تخرج من المنزل كثيرًا، ولكنه سرعان ما نفض هذه الأفكار من رأسه وتنفس الصعداء لأن هدى بدأت تخرج من تلك الشرنقة التي حبست نفسها بها منذ زمن، والآن ستكف عن أحاديثها المملة والتي لا تنتهي عن حزنها وشعورها بالوحدة وهذا سيجعلها تنشغل قليلًا عنه، وسيتفرغ هو إلى أعماله وتجارته. "ولكنه مسكين لا يدرك ما تخبئه الأقدار لهما