بالطبع لم تكن تعرف العربية فأعدت كلامي باللغة التي تفهمها وأضفت أنني طبيب وزوجتي مهندسة معمار، اطمأنت المرأة لنا وتساءلت عن مكانها، فقلت لها العنوان على وجه الدقة، وهنا بدا يدب الرعب في أوصالها حتى كادت عيناها أن تحمرّ، وقالت: لا أنا يجب أن أذهب حالًا. هرعت زوجتي إليها وهي تتساءل كيف ستذهب وتمضي قدمًا مع كل تلك الجراح، إنها تحتاج عناية بالغة، وهنا بكت المرأة بشدة وهي تقول: سيقتلانني، لن يرغبا بي أبدًا، أقسم لن يتركاني أحيا. نظرنا لبعضنا أنا وزوجتي إنها حقًا قصة مثيرة، لكن قالت زوجتي: سأعد مائدة العشاء وبعد العشاء يمكننا مناقشة الأمر. أعدت لنا العشاء وتعارفنا قليلًا نحن والمرأة، وهنا طُرق الباب طرقات خفيفة، فهرولت المرأة للداخل تختبىء، وفتحت زوجتي الباب فوجدت الطارق هما ماكث وروز ورغم أن الوقت متأخر استقبلناهما ورحبنا بهما بحفاوة، لكن عينا ماكث كانت متفحصة زيادة على غير عادتها، حتى أن وقت الزيارة لم يكن مناسبًا لي ولا لزوجتي، نظر ماكث وإذا به يرى طبقًا ثالثًا من الطعام وملعقة إضافية، فاستنكر الأمر وقال بأسلوبٍ هزل: لم أكن أعلم أنكما تستقبلان كل ضيوفكما في هذا الوقت وإلا جئت كل ليلة في الوقت تمامًا. وقبل أن تتكلم زوجتي بطيبتها المعتادة وتقول لدينا ضيفة، قلت أنا: - لا ليس هناك ضيوف لكنه حدسي الداخلي أن أحد ما سيشاطرنا المائدة، كما أنها عادة بعض البيوت في مصر. ابتسم ماكث بمكر وكأنه لا يصدق، لكني تجنبت النقاش معه، وبعد وقت من مكوثهما ومشاطرتهما لنا فنجانًا من الشاي وبعض قطع الحلوى التي صنعتها زوجتي، غادرا... وهنا خرجت المرأة من مخبأها كما يخرج الفأر من جحره، وهي مبللة بالدموع كأنما نهر دجلة قد صبّ الماء عليها صبًا، أشارت بيدها تجاه الباب بذعر وهي تقول: هما... هما العجوزان المتوحشان، لقد عذباني لسنواتٍ، وقيداني في قبو منزلهما. نظرت لزوجتي ونظرت لي ونحن نتساءل عما حدث، فقالت سريعًا: إنهما ينتقمان مني يقولان أنني من أخذت حياة ابنهما وأنني يجب أن أموت لا يجب أن أعيش ثم استرسلت وقالت: أمامكما جثة لامرأة في الأربيعينيات لكن ملامحي تبدو كأنني في الستينيات صدقا أو لا لا تصدقا أنا حبيسة كوخهما منذ كان عمري ثمانية عشر عامًا، هذا العذاب لا شيء، هو مجرد علامات على جسدي لكن العذاب الحقيقي بقلبي، لقد شاب قلبي قبل أن يبلغ شبابه، هل رأيتما قط مشيبًا يأتي بعد الطفولة لقد جاء مشيبي عقب الطفولة تمامًا. قالت زوجتي وأثر الدموع بيّن في عينيها: تلك جريمة بشعة يجب أن يعاقبا عليها! أما أنا فتساءلت كيف مات ابنهما؟ قالت المرأة المسكينة، كنا على الطريق ذات ليلة لننتقل للمدينة حيث يعيش والديّ بعد أن تزوجنا أنا وابنهما لكن فجأة خرج أمامنا غزال من العدم اصطدمنا بها فقادتنا السيارة إلى شجرة اصطدمنا بها هي والأخرى، وحينها لم أجد زوجي يجيبني مهما فعلت باءت كل محاولاتي بالفشل، عندها عدت من المسافة هرولة فوصلت إليهما في الصباح لأنه لم يكن هناك أي شيء يوصلني أسرع من قدميّ، فالمنطقة في ذلك الوقت كانت نائية كثيرًا ولم تكن بمثل هذا العمار حاليًا.