"هل أنتِ على يقين أنكِ بخير ميلا؟" سألها جدها للمرة العاشرة تقريبا منذ ادّعت صداعا شديدا حتى لا تذهب لحفل تخرّج شقيقها وتقابل حبيبها الذي لا يراها أبدا لتجيبه بتأكيد: "أجل جدي أنا بخير فقط صداع سأتناول دواء الصداع وأخلد للنوم لا تقلق..استمتعا بسهرتكما" ثم قبّلت كل منهما على وجنته وهي تحثّهما على المغادرة ليطيعاها وجدها يؤّكد: "لن أتأخر حبيبتي" "جدي.. لا تعاملني كطفلة اذهب لسهرتك ولا تقلق عليّ" هتفت موبّخة بلطف ليبتسم الجد وهو يربّت على وجنتها بحنان جلب الدموع لعينيها فها هي تكدّر حياة من حولها بجُبنها وتحاشيها الناس من حولها، بعد مغادرتهما لم تستطع إلا أن يصيبها الفضول لما يحدث بالحفل الآن لذا ارتدت أول ما لمسته يداها ثم ذهبت لحفل تخرّج أنتوني وماكس، تتحرّك بخفة خلال الحفل تحاول البحث عنه بصمت حتى لا يلاحظها أحدهم خاصة شقيقها الذي يعلم أنها متوعّكة بالفندق الذي نزلوا به ليحضروا حفل تخرّج شقيقها من الجامعة، وها هي تقف متوارية عن الأنظار كالحمقاء ترمقه بشغف كلّل نظراتها العاشقة تتابعه بعينيها تشعر بالحسرة لأنها ليست من ترقص بين ذراعيه لتنحني عيناها بألم وهي تسخر من نفسها.. (وهل يراكِ من الأساس يا ميلا حتى يرقص معكِ؟) لتُمعِن في سخريتها وهي تتابع (وحتى لو رآكِ سيرى الصغيرة البشعة التي ينفر منها الجميع وهو أولّهم.. ألم ينعتكِ قبلا بغريبة الأطوار؟!) هربت إلى الجناح الذي استأجره جدها بالفندق القريب لتقف أمام المرآة ترمق نفسها بخيبة..شعر أشقر باهت وبشرة مليئة بالعيوب وعينان خضراوتان بأهداب شقراء طويلة وكثيفة ولكنهما مختفيتان خلف عيونات طبية سميكة تجعلها أقرب لمديرة مدرسة صارمة.. وبضع نمشات هنا وهناك كانت والدتها تخبرها أنها قبلات الملائكة لها وجسد مكتنز لا قدرة لها على تخفيف وزنه فهي تعشق الطعام ولا حيلة لها في ذلك..فكم من حِمية حاولت اتّباعها فتعود لتفشل فشلا ذريعا، زفرت بحنق وهي تستلقي على الفراش قبل أن تخطر لها فكرة مجنونة! فنهضت وشرعت بتنفيذها على الفور وهي تدعو أن تعود قبل جدها وأنتوني حتى لا يعرف أحدهما بما فعلته! "أحدهم يريدكَ ماكس" أخبره صديقه وهو يشير إلى النادل الذي وقف جواره يحاول لفت انتباهه وهو غارق في الفتاة الجميلة جواره يحاول أن يحصل منها على موعد وهي تتدلل عليه.. "ماذا هناك؟" سأل ماكس النادل ليجيبه أن هناك آنسة تطلبه بالخارج فعقد حاجبيه وهو يفكّر من هذه التي تطلبه خارجا ولم تدخل للحفل؟! نهض وذهب خلف النادل الذي ما إن ابتعدا عن البقية حتى منحه مغلّفا مغلقا وأخبره أنه من الآنسة التي تنتظره..لم يجد أحدا في انتظاره فظنّ أنها مزحة سمجة من أحدهم ولكنه تذكّر المغلّف بيده ففتحه بفضول ليجد رسالة برائحة مميزة انتشرت لتسحره على الفور ما إن فتح الورقة قبل أن يفتحها ويبدأ بالقراءة وهو يشعر بالدهشة تعتريه..فمن هذه التي تراسله ولا تحدّثه مباشرة؟! ((عزيزي ماكس, مبارك التخرّج.. لم أستطع منع نفسي من تهنأتكَ حتى وأنت لا تهتم إن حصلت على تهنئتي أم لا.. فأنا أعلم جيدا أنك نسيتني منذ سنوات عديدة حتى وأنا أمامكَ طوال الوقتَ!هل ينتابكَ الفضول لتعرف من أنا؟!لو أردت رؤيتي اذهب للشاطئ القريب وستجدني هناك بانتظاركَ حتى منتصف الليل.. لو تأخرت عن ذلك فاعلم أنكَ لن تجدني)) "فقط!" همس بصدمة وهو يقلب الورقة ربما هناك إمضاء هنا أو هناك ولكنه لم يجد شيئا بظهرها وهذا ما أثار حيرته أكثر! هو يعشق التحديات والمغامرات والغموض ومن أرسلت له هذه الرسالة تعرفه جيدا كما يرى فهو لن يستطيع مقاومة المغامرة حتى لو اكتشف أنها مزحة سخيفة من أحدهم لذا فقد توجّه للشاطئ على الفور وهناك وقف أمامه مسحورا للحظات..فهناك حورية تقف على الشاطئ شعرها يتطاير حولها بشكل ساحر خطف أنفاسه وعلى الرغم أنها تقف وجهها للبحر إلا أنه شعر أنها فاتنة وشعر أكثر بالفضول لمعرفة شخصيتها لذا فلم يفكّر مرتين قبل أن يقترب وهو يقول بصوت عابث وصل لها واضحا: "إذا أيتها الحورية ها قد أتيت فما هي جائزتي؟" التفتت له برهبة وهي تشعر بالخجل الشديد انتهى الجزء السهل وبدأ الجزء الأكثر صعوبة على الإطلاق, فكيف تخبره مَن هي وماذا تريد منه؟! بل كيف تخبره عن أمنيتها المتهورة أن تحقق ما تمنّته وهي صغيرة على نفس هذا الشاطئ؟ فهو لا يعرفها ولا يذكرها من الأساس!وقف أمامها يرمقها بانشداه فالفتاة مختلفة تماما عمّا تخيّله! فقد ظنّ أنه سيجد فتاة عابثة تريد اللهو قليلا معه وتحتفل بتخرّجه من الجامعة ولكنه وجد حورية رقيقة عيناها تشعّان ببراءة أعلمته أنها لم تحصل حتى على قبلتها الأولى بعد على الرغم أنها تبدو قد تجاوزت الخامسة عشرة، أم تراها تريد قبلتها منه؟! سطعت الفكرة بعقله فاتّسعت عيناه بصدمة قبل أن يقرأ رغبتها بعينيها مختلطة ببعض الخجل الذي ظهر باحمرار وجنتيها المكتنزتين الشهيّتين فابتسم بعبث وهو يهمس لها: "إذا حوريتي, ها قد جئت بالموعد, ألن تخبريني ماذا أردتِ؟" "أنتَ" همست وهي ترمقه بنظرات ولهة ليتجمّد وهو يتعرّف عليها معنّفا نفسه أنه تغافل عن شبهها بشقيقها أنتوني والذي يكون صديقه المقرّب! "ميلا؟!" همس بعدم تصديق لتظهر صدمتها على وجهها قبل أن تلتفت لتغادر أو لتركض إذا أراد الدقة ولكنه أمسك بذراعها وهو يسألها: "ماذا تفعلين هنا بمفردكِ بهذا الوقت؟ هل أنتِ مَن أرسل الرسالة أم...؟" وقبل أن يتابع قرأ الإجابة على محياها..شقيقة صديقه الصغيرة تريد التجربة بل للدقة تريد التجربة منه هو ولا يفهم السبب!هل حقا واقعة بحبه كما يبدو عليها؟ ولكن...هي الفتاة الأكثر براءة التي عرفها بحياته لذا لا يريد أن يدنّسها أبدا! هي شقيقة صديقه لا يستطيع أن يفعل ذلك معها! هي تستحق الحب والزواج وكل الأشياء التي لن يفكر بها يوما!هو ليس من هذا النوع ولا تجذبه البريئات الساذجات أمثالها لذا وبكل حدة عنّفها: "لماذا فعلتِ ذلك ميلا؟ بل كيف تفعلين ذلك وتقفين أمامي تخبريني بهذه الترهات؟" "أنا لم أفعل..." همّت بالقول ليقاطعها بقسوة وهو يرمقها بغضب: "بل فعلتِ.. ماذا تخيّلتِ أن أفعل معكِ ميلا؟ هل تظنين أنني يمكنني لمسكِ؟ يمكنني أن أقترب منكِ من الأساس؟" وهي فهمت كلماته بطريقة خاطئة تماما ففهمت أنه يشمئز منها ولا يريد الاقتراب منها وليس من أجل صداقته مع شقيقها وعمرها الصغير وبراءتها! فانهمرت دموعها لتزيده اشتعالا وهو يفكّر ماذا لو فعلت ذلك مع أحد آخر واستغلّها؟ استغلّ براءتها وصِغر عمرها وفعل ما لا يحمد عقباه وهي الغبية تظن نفسها واقعة بالحب وتريد التجربة! قرّبها منه وهو يقول بحدة: "تريدين التجربة ميلا الصغيرة؟ حسنا هي لكِ" وقبل أن تدرك عمّا يتحدث كان يقبّلها بعنف كاتما شهقة مفاجأة فلتت منها قبل أن يخّفف ضغطه عليها وهو يشعر بشيء غريب ينغزه بقلبه فابتعد عنها لاهثا وهو يرمقها بصدمة رأتها هي ازدراءا وقبل أن يفيق ويحلّل ما شعر به كانت تركض مختفية من أمامه تاركة إياه حائرا, مرتبكا, وغاضبا! وصلت للجناح وهي تبكي وبالكاد تلتقط أنفاسها بسبب ركضها ودلفت للحمام مباشرة أغلقت عليها الباب وظلّت تبكي لفترة قبل أن تسمع خطوات أحدهم وصوت جدها يناديها بقلق فأخبرته أنها تغتسل قبل أن تفعل حقا وعقلها يعنّفها على ما فعلته وقلبها يخفق بقوة يفكّر أنه حصل على قبلته بالنهاية حتى لو امتزجت ببعض الغضب أو الازدراء، ومن وقتها وهي ابتعدت عن دربه نهائيا ولغت كل فكرة لديها بالوقوع بالحب وعلمت أن شهاب الأمنيات الذي أخبرتها عنه والدتها قديما ما هو إلا خرافة ولن يكون حقيقة أبدا.