جالسة على سجادة الصلاة والدموع تسلك طريقًا على وجنتيها، رافعة يدها إلي رب السماوات؛ تناجيه بأن تعود لها ابنتها فلذة كبدها بخير وسلامة، تشعر بألم يغزو قلبها وكأن روحها تنسحب من جسدها رويدًا، رويدًا. قاطع مناجاتها صوت طرقات على الباب، فكفكفت دموعها واستقامت واقفة وهي تسحب سجادة الصلاة من أسفلها وتضعها على طرف الفراش، وقالت بصوت ممزوج بالبكاء: -أدخل. دلفت العاملة في هدوء وهي تقول: -أحضر إيه ياهانم النهاردة على الغدا؟ قالت سميرة بابتسامة ارتسمت على ثغرها: -إعملي كل الأكل اللي بتحبه نسمة. ردت العاملة عليها بطاعة: -حاضر يا هانم. وغادرت من أمام الغرفة، ارتفع صوت رنين الهاتف معلنًا عن أتصال، فاقتربت سميرة من الطاولة والتقطت الهاتف وردت قائلة بصوت متعب: ـ ألو. أتاها رد من الجهة الأخرى: -ألو يا سميرة، عاملة إيه ياحبيبتي؟ فردت سميرة وهي تجلس على طرف الفراش: -بخير يا منال. منال بدهشة: -مال صوتك نسمة ويارا كويسين؟ فانفجرت سميرة بالبكاء قائلة: -هي فرح ما قالتش ليكِ؟! منال باستغراب: ـ تقول ليا إيه، هي نسمة كويسة؟ سميرة بصوت ممزوج بالبكاء: ـ لا مش كويسة يا منال، يارا قالت أنها رجعت من نص الرحلة ومش عارفين هي راحت فين وبندور عليها. دب القلق بقلب والدة فرح وتذكرت ما حدث ليلة أمس مع ابنتها، فقالت سريعًا: ـ طيب ما تقلقيش يا حبيبتي، خير إن شاء الله، ابقي طمنيني عليها. كفكفت سميرة دموعها وقالت بتريث: ـ إن شاء الله. انتهت المكالمة، ووضعت هاتفها أعلى الطاولة، وجلست تدعو بأن تعود ابنتها. وهي تنتحب في صمت قاتل.. بغرفة يارا كانت جالسة على فراشها ممسكة بهاتفها تحاول الاتصال بـأصدقائها؛ لتخبرهم عما حدث منذ قليل، فضغطت زر الاتصال بعدما جاءت باسم وائل، انتظرت قليلًا؛ لعله يرد اتصالها، ولكن لا رد، تأففت لتعاود الاتصال، ولكن هذه المرة كان رقم صديقها علي، انتظرت قليلًا حتى استمعت إلى لهجته المقتضبة والحادة بعض الشيء: ـ خير يـا يارا، في إيه؟ لوت يارا فمها من طريقته بالحديث معه، وقالت بامتعاض: ـ أكيد مش متصلة عشان أطمن عليك يعني. أجابها علي في حنق: ـ إخلصي يـا يارا، عاوزة إيه؟ ردت يارا بضيق: ـ استنى هعمل مكالمة جماعية عشان الكل لازم يسمع. علي بصوتٍ خافت: ـ تمام أضافت يارا فرح و وائل للمكالمة، وتحدثت قائلة: ـ الكل سامعني كده أجابها الجميع بنعم يارا: -ماما وبابا عملوا بلاغ باختفاء نسمة، ومش بس كده الصبح بابا جاله تليفون، والضابط قاله إن هم قدروا يحددوا مكانها من خلال تليفونها. انتفض علي واقفًا من على فراشه، فقال بذعر بعدما دب الخوف قلبه: ـ أنتِ بتقولي إيه؟ إحنا كده هنروح كلنا في داهية. آتاهم صوت فرح المرتجف: ـ أنا والله ما عملت حاجة، أنا مقتلتش نسمة، أنا ماليش ذنب في كل اللي حصل ده. أجاب وائل قائلًا: ـ اهدي يا فرح، الحل الأنسب إن كلنا نسافر برة البلد وحتى لو حصلت أي حاجة واتمسكنا إجابتنا هتفضل إن إحنا منعرفش حاجة، تمام. ردت يارا وهي تتنهد بضيق : ـ مش عارفة إزاي إحنا نسينا نأخذ تليفونها ونمحي أي أصل للي حصل ده؟ إجابها علي بحدة: ـ لأن أحنا مش مجرمين قالت يارا في هدوء: ـ شباب متقلقوش لحد الآن مفيش حاجة تستدعي الخوف ده كله، أنا بس حبيت أبلغكم باللي حصل. تابع علي بنفس نبرتها: ـ تمام يـا يارا، لو أي حاجة حصلت بلغينا. إلى هنا وانتهت المحادثة بينهم، ولكن بغرفة فرح كانت تمر والدتها من أمام غرفتها حتى استمعت إلي جملتها مع أصدقائها، انتظرت إلي أن انتهت المكالمة وقامت بفتح الباب، ألتفتت فرح بخوف إلي خلفها فوجدت والدتها، فغمغمت فرح باطمئنان: ـ إيه يا ماما في حاجة؟ توجهت والدتها إلي خزانة ملابسها وأمسكت بحقيبة فارغة ووضعتها على الفراش وفتحت ضلفتي الخزانة تحت أنظار فرح التي تنظر لها بحيرة. فاقتربت فرح من والدتها تسألها بقلق: ـ ماما، أنتِ بتعلمي إيه، ليه بطلعي هدومي كده؟ لم تكترث منال إلى حديث ابنتها، بل أخرجت الملابس ووضعتها بعشوائية داخل الحقيبة ومن ثم أغلقتها. فرح باستغراب من فعل والدتها: ـ يا ماما أنا بكلمك، هو في إيه؟ منال بحدة: ـ من غير ما أسمعلك أي صوت روحي غيري هدومك، هتسافري عند والدك. فرح باعتراض: -لا طبعًا، أنا مش عاوزة أروح، أنتِ عارفة إني مش بتفق مع مراته دي. فجاءتها منال بسؤالها قائلة: ـ أنتِ ليكِ أي علاقة بموضوع اختفاء نسمة. ارتبكت فرح بحديثها قائلة: ـ لا يا ماما، أنا معرفتش أي حاجة. تقدمت والدتها منها وعانقتها وقالت بصوت متحشرج: ـ يا بنتي أنا ماليش غيرك، قوليلي و شاركيني في كل اللي خايفة منه، أنا هسمعك وأوعدك إني مش هسمح لحد يقرب منك. أبعدتها فرح عنها ووضعت يدها بين كفيها وقالت بابتسامة: ـ ماما أنا عمري ما خون ثقتك، أنا معملتش أي حاجة ومش عاوزة أروح عند بابا. ربتت منال على يد ابنتها: ـ تمام يابنتي، أنا واثقة فيكِ. بنفس المكان الذي حصلت فيه الحادثة كان واقفون فريق من قسم الشرطة يلبسون في يدهم قفازات مطاطية بيضاء اللون، أمام منزل علي تحدث الضابط قائلًا: ـ إنتَ يابني اكسر لي القفل ده. تقدم الشاب وهو ممسك بأداة لفتح القفل وبعد محاولات عديدة تم فتح القفل، فدخل الضابط وخلفه العساكر المساعدين. الضابط: -ال gps بيقولنا إن التليفون هنا، احتمال كبير تكون البنت موجودة، إحنا دلوقتي هندور في كل شبر في البيت ده، تمام. تفرقوا جميعهم للبحث عن ما يخص قضية نسمة. لم يطل الكثير من الوقت ليجتمعوا جميعهم، فقال أحدهم وهو ممسك بأكياس بها طعام: ـ أنا لاقيت دول يا باشا. فتحدث الآخر قائلًا: ـ أنا لقيت الصورة دي وفي منها كتير، غالبًا البيت للشاب ده. تحدث الضابط بصرامة قائلًا: ـ عاوزك تعرفلي مين صاحب البيت ده بسرعة؟ رد عليه العسكري باحترام: ـ حالًا يا فندم. فتحدث زميل لهم وهو يؤشر إلى أحد الغرف: ـ وضغط اتصال؛ ليرن هاتف بين يده. فتحدث الضابط قائلًا: ـ كده إحنا متأكدين إن نسمة كانت هنا، لكن إيه اللي حصل؟ منعرفش. وجه حديثه إلى العسكري قائلًا: ـ اتصل بوالد نسمة وأطلب منه يبعتلك صور لأصحابها اللي كانوا طالعين الرحلة معاها. العسكري باحترام: ـ فورًا يباشا. جلس الضابط على المقعد خلفه وعاد إليه العسكري بعد قليل من الوقت قائلًا وهو يمد له بهاتفه: ـ هشام بيه دي صور أصحاب نسمة وكمان أختها كانت معاهم في الرحلة دي. أخذ هشام يقلب بالصور ووجد بينهم صور علي فقال: ـ والدها قال إن أختها وأصحابها قالوا إنها رجعت من نص الطريق، بس الواقع غير كده نسمة جات معاهم، وهب واقفًا وهو يستطرد: ـ أسمعوني كلكم. تقدم منه الرجال الخمس، فتابع هو: ـ عاوز كاميرات مراقبة في كل ركن هنا، ومد يده للعسكري بهاتف نسمة قائلًا: -حط التليفون ده مكانه. العسكري باستغراب: ـ بس ليه يا فندم؟ ـ احتمال كبير إن تكون نسمة اتقتلت ومش بعيد إن أختها تكون مشاركة في الجريمة دي والمجرم اللي عمل كده هيرجع تاني وهيحاول يخبي أي أثر للي عمله. بعد قليل أنتهى عملهم، فغادروا المكان. مر اليوم دون أي أحداث أخرى وفي منتصف الليل كانوا الضباط بالقسم وأمامهم اللاب توب يشاهدون ما يحدث. في نفس المنزل دلف علي وتوجه إلي الغرفة التي توفت بها نسمة، أخذ يبحث عن الهاتف، فمال بجزعه ونظر أسفل الفراش؛ ليجده، فألتقطه وخرج صعد بسيارته وغادر المكان سريعًا تحت أنظار الشرطة. ابتسم أحد الجالسون بانتصار وتحدث: ـ كده أتأكدنا إن نسمة كانت معاهم في الرحلة، بكرة هنلقي القبص على الشاب ده، الحقيقة قربت تنكشف. في منزل فرح فاقت من نومها وهي تنظر حولها بفزع، أزاحت الغطاء وهي تقول: -أنا لازم أحكي لماما كل حاجة.