Cairo , Egypt +01508281514 darr@elsayad121216.com

الفصل الثانى والأخير

اختتمت قولها بصوت يكبّله القهر: وأُشيع الخبر في لمح البصر بكون كريمة تبنّت طفلة وأسمتها ندى وسجّلت اسمها باسم زوجها الراحل وتفضّلت عليها بالعيش في هذا الثراء الفاحش. نظرت إلى ندى لتجد البهوت يحتلّ معالمها حيث تعقّب على كلامها بصراخ يسكنه الارتياع: كذب! هذا اختلاق برعتُما في تأليفه قبل موتها، أليس كذلك؟! كانت تتوقّع ردّة الفعل هذه مسبقًا، مزيج بين الفزع وعدم التصديق، ولكن الحقيقة لا تتلاشى مع مرارتها، فقالت بجديّة: هذه الحقيقة التي أرادت أن تخبركِ بها حين شعرت باقتراب الأجل ولكن امتنعتِ عن المجيء. أخذت تهزّ رأسها نفيًا هاتفة بإصرار: أنتِ تكذبين، هذا لم يحدث بتاتًا، إنها كانت تكرهني وتتعالى عليّ بأفعالها المغرورة أمام صفوة الناس! أجابتها نجوى بتبرير لموقف تلك المسكينة التي ذهبت قبل أن توضح سوء الفهم في أمرها: كانت تخفي هويّتك الحقيقيّة وتمتنع عن الإدلاء بذلك، حتى بينها وبين نفسها خشية على فقدكِ وقد كنتِ آخر ذكرى من رائحة والدكِ. وضعت كلتا يديها على أذنيها في محاولة لدرء الموجات الصوتيّة المنبعثة من حنجرة نجوى، هاتفة بعدم تصديق: لا أصدق! لا! وهنا انهار تماسك نجوى حيث شقّت العبرات وجنتيْها بينما تقول بصوت متحشرج من فرط الحسرة: لقد رأيتِ سلوكها المصطنع أمام الجميع وحتى الخدم، ولكن لم تلحظي يومًا نظراتها الحانية نحوكِ، ابتسامتها المسرورة حين لقائك، الذعر الذي يصيبها حين تمرضي، خفقاتها المرتاحة حين تكونين بخير، أخفت كل ذلك لأجلك، لأجل زوجها الراحل، خوفًا من انتهاء الأمر بها وحيدة، خوفًا من فكرٍ بالٍ دعّمه الدّجل والشّعوذة في قريتنا. أخذ الدمع بالهطول كالسيول من عينيها الحمراوتيْن بينما تنطق باحتجاج: حرام عليها! كيف تكرهني بتلك الطريقة إلى درجة أن لا تخبرني أنا على الأقل؟! كيف تمتنع عن قول الحقيقة لي؟! لقد أسأتُ معاملتها! كنتُ أمتنع عن مجرّد عناقها حتى. تحدثت نجوى بتأكيد: لقد كانت تعشق التراب الذي تسير عليه أقدامك، ولكن كانت تمتنع عن إظهار هذا الحب لأجل سلامتكِ، ولكن تغلّب حقدكِ عليكِ إلى حدِّ أن تجافيتِ عن تحقيق أمنيتها الأخيرة! وهذا لم يغيّر بالطبع من وصيّتها بأن تصبح كل الأملاك من حقّك فيما بعد. أنزلت يديها إلى جوارها وتوسّد الانكسار بملامحها، وقد سلّمت بتلك الحقيقة المُهلكة بخنوع فقالت بصوت مبحوح: عشتُ كل تلك السنوات على علم بموت أمّي وهي أمامي! هذا ليس عدلًا! ثم أخذت تمسح دموعها بظاهر يمينها بسرعة بينما تقول بحسم: أريد لقائها فورًا! تقوّس فمها بينما تقول بشجن: للأسف، لم يعد ينفع يا ندى. أخذت تهزّ رأسها بقوّة هادرة بهستيريّة: هراء! يجب أن أكلمها، يجب أن أسألها بشأن ما اقترفت بحقّي للتوّ! يجب أن أطلب الغفران منها على كل ما بدر مني من حماقات! يجب أن نعود إلى العيش سويًّا بدون أن يعكّر سوء الفهم صفو محبّتنا! هزّت رأسها نافية بينما تقول بعتاب يتخلّله الأسف: قد كانت أمامكِ طيلة الوقت وامتنعت عن الحديث معها خاصّة حين كانت في أمسّ الحاجة إليكِ، لابد أن تتقبّلي غيابها من الآن وصاعدًا. انفجرت باكية بينما تردف من بين ذهولها بصراخ: لا استطيع! قلت لا أقوى على البقاء بغيابها الآن، لا! جثت على الأرض باكية ودموع الندم تنهمر بلا انقطاع، وشذرات الصدمة تجول حولها دون توقّف، فلم تظنّ يومًا أن تكون تلك والدتها الحقيقيّة، ووراء هذا التفاخر يسكن كل هذا الحب لأجلها، وما كان ليحدث ذلك لولا خوفها عليها، حتى وإن كان السبب غير منطقيّ، ولكن يرجع ذلك إلى إشاعة التقاليد البالية في أرجاء القرية الرّيفيّة مع ضآلة التعليم، ولم تقصّر هي بالقصاص عن كرامتها المجروحة حين غمرت والدتها بالجفاء، ولم تترك فرصة في تحطيم فؤادها إلا واغتنمتها، فقد حرمتها اللقاء وإظهار القليل من الحب لها، ولم يكن الودّ الصادر منها إلا بدافع الامتنان بسبب تصدّق السيّدة عليها، وما حدث كل ذلك إلا كنتيجة لما قامت به والدتها، كلّها أعذار اضطرّت هي إلى دفع ثمنها من سعادتها، للتقاليد أعذار، لغياب الفكر أعذار، لوالدتها أعذار، ولكن لا أعذار لها ولا غفران.

Get In Touch

Cairo , Egypt

darr@elsayad121216.com

+01508281514