يقف حزينًا وأقف انا راغبة بمناداته ومؤازرته في شدته، لا أعلم مصيبته ولا أسبابها لكنني أريده ضاحكًا كما اعتدت، أفيق على مرارة الواقع ألا وهو كونه حلمًا، ومن كثرة زيارته لأحلامي بت أحبه رغم ملامحه الخفية؛ لكنني أشعر معه بالأمان، كأن قلبي وداري في خطر بدونه! أعتقد بوجوب زيارة طبيبة نفسية لهذياني بحب وانتظار حلم!" آخر كلماتٍ كتبتْها قبل نومها مجددًا؛ للقاء هذا الغريب في منامها، خُيل لها تخطيها رُهابها منهم، تملكها هدوء وسكينة مع الهواء الذي يتغلغل داخل رئتيها فيشعرها بالراحة وكأنها طير فوق السُحب، لتباغتها الحياة بضربة مؤلمة أيقظتها على حقيقتها بأنها مازالت لا تحبهم ولا تتعامل معهم ودائمًا ما تتجنب التواجد بجانب أي رجل، تسمع الكثير عن ظُلمة هذه وخيبتة تلك، مشاعر متضاربة فتريد الزواج ولا تريد، إذا دق بابها معلنًا وصول خاطب يظهر الاضطراب على محياها وتقدم رجلًا وتؤخرُ أخرى، حتى عملها الذي أحبته تخاف الخروج له حتى لا تختلط بهم. بعد محاولات لتخطي كرهها الغير مبرر وتلك الفكرة السوداوية، وصم الأذن عن أحاديث من تزوجوا ولم يجدوا من الزواج إلا العناء، حاولت كثيرًا حتى أقنعت نفسها بأنها تخطت، ووافقت على "علي" ذلك الشاب الذي تقدم لها مؤخرًا، سمعت عنه من أبيها كل خير حتى نطقت بالموافقة، لكن مازالت هواجسها تحوم حول عقلها، فحتى بعد خطبتها منه ظلت تستخير وتدعوا في جوف الليل وفي القيام بصلاح حالها وإتمام زواجها إن كان خير لها. بدأ بزيارتها كل جمعة ليتعرفوا أكثر في وجود الأهل وفي يوم وجدته يخبرها بما ينوي تنفيذه وقت عقد القَرآن بإقامة عُرس ضخم في أفخم الفنادق تعويضًا عن خطبتهما التي أصرت "هالة" على بساطتها، حتى عندما ردت عليه بأن البساطة أفضل وأجمل من المظاهر الفارغة؛ نظر لها بضيق واستهزاءٍ محاولًا إخفاءه ثم بدأ شارحًا بأن رجل ذو مكانة ومنصب مثله بالطبع لا تناسبه البساطة، ويرى أن البساطة تُترك للفقراء ولمن لا يملكون ما يملكه، صدمها بفكره وطريقته أين حديثه المناسب لها ولصفاتها؟ هل يختبرها ليعلم صدق ما تؤمن به أم تلك حقيقته؟ لا تقدر على الرد لا تقوى على ذلك، وكادت تجزم بأن سبب تقدمه لها هو منصب والدها، انتهت الجلسة وكان هو من يتحدث فقط دون انتظار إجابة، فشردت في وادي بعيد لا تعلم ما التصرف الصحيح ولا تستطيع التفوه بشيء أمام أبويها؛ لأنهم ككل مرة سيكون ردهم بأنها تتخيله سليط ومتكبر ويحب المظاهر، لكنه رائع ومناسب شكليًا واجتماعيًا، ثم اننا بشر ولابد لنا من عيوب ويجب على الطرف الآخر تحملها، ذكرت نفسها بحديثهم مطمئنة بصواب الأمر وعدم وجد مانع ببعض الفروق بينهما. باتت أحلامها تزيد وترى اجتماعها مع الشخص المجهول، تفيق فيكثر همها؛ لأنه حلم. اجتمعت مع "علي" مرة أخرى خارج حدود البيت برفقة أبيها، فاستغل انشغال الأب بشراء بعض الأشياء ليقترب منها معبرًا عن غضبه بعبارات ألجمت لسانها مرة أخرى، يلومها لوجود والدها! يتهمها بالعصيان! يعنفها ويخبرها بكونه لا يطيق النظر لها من أفعالها! أي أفعال؟ هي بالكاد تعرفه منذ شهرين فقط، لم يتقابلا إلا كل جمعة خلال ثماني مرات في تلك المدة، أتعتبر تلك الغلظة منه مجرد اختلاف عليها تقبله أيضًا؟ لكنها حقًا تخاف من تلك المعاملة لدرجة أنها بكت الآن.. أمامه. بعد اسبوع حاول التواصل معها مجددًا وكأنه لم يُخطئ في شيء، يخبرهم بأنه سيأتي غدًا -الجمعة- لزيارته المعتاده، لكن أباها أخبره بقرار ابنته بعد نقاشات دارت بينهم لأيام، وكان الخبر هو الانفصال، تصلب جسد الآخر من المفاجأة فلم يتوقع تركها إياه، جل ما كان يتصوره أنها تتدلل وتتصنع الحياء والرقة، أيضًا كيف يُترك وهو ذو المال والجاه؟ من كبريائه ترفع عن السؤال ومعرفة السبب أو حتى محاولة تطيب خاطرها، وكل ما تفوه به رغبته بذهبه! وقاحة لم تبصرها من قبل جعلتها تكره تلك التجربه وتكره الخوض فيها مجددًا، ظلت تتذكر عندما بكت أمامه ولم يرف له جفن، بل زاد غضبه محاولًا اسكاتها قبل قدوم أبيها وحتى لا يلفت الأنظار إليه، تذكرت العديد من المواقف التي أحسنت الظن فيها، لكنها كانت أبعد ما يكون عن حسن الظن، فتصرفاته واضحة بحجم الفيل. "غبية" صفة لازمتها لسنين على تلك السذاجة، حتى عندما تركته لم يسأل وشاغله الأكبر ذهبه، بالطبع لم يكن هناك مشكلة مع إعطائه حقه، فما أحزنها هو عدم اهتمامه وتعامله بتلك الطريقة. مبتسمًا ناظرًا لعينيها ومجاهدًا لإخراج كلمة واحدة "انتظريني"