مرت الأيام سريعاً و اقتربت امتحانات نهاية العام الدراسي ولم تدخل سارة عالمها طوال تلك المدة مما شغل بالها مرة أخرى. عادت بعد أنتهاء ثاني أيام امتحانات النهائية متعبة للغاية لا تقوى على الحديث أو فعل أي شيء سوى النوم وبالفعل تناولت بعض لقيمات صغيره تكاد تكفي لطفل صغير ثم خلدت إلى النوم فوراً ولكن تلك المرة كانت على موعد مع مملكة جديدة ومختلفة للغاية ومشوقة وقفت تتلفت حولها علها تجد شيء يدلها على مكان تواجدها ولكنها لا ترى سوى رمال صفراء بلون الذهب الخالص ومن فوقها السماء الصافية تشع شمسها بأشعتها الحارقة ولكن لفت نظرها على بضع سنتيمترات ليست بالبعيدة عنها رجل يرتدي ثياب تشبه إلى حد كبير الثياب الفرعونية القديمة ويمتطي حمار ويسير ببطء لكونه يحمل خلفه بضائع كثيرة . سارت نحوه بخطوات سريعة حتى وصلت بالقرب منه وعندما حاولت التحدث معه اجتازها وكأن لا وجود لها مما زاد من تعجبها ولكنها أيقنت أنها داخل إحدى أحلامها كالعادة مما جعلها تسير ورائه بهدوء حتى وصل الرجل أمام بوابة ضخمة يقف على أعتابها العديد من الحراس يقومون بعمليات تفتيش للعديد من الرجال والنساء جميعهم يقف بانتظام تعجبت سارة له ولكن لفت انتباهها صوت أحد الحراس يسأل رجل يرتدي ملابس مختلفة عما يرتديه البقية ويصحبه مجموعة من الرجال الحارس: جايين منين وايه سبب مجيكم هنا ؟ رد الرجل عليه بهدوء : جايين من أرض كنعان معانا حبوب و أغنام وجينا بغرض التجارة أمر الحارس حارس آخر بتفتيش متاعهم ثم سمح لهم بالمرور وتكرر الأمر مع العديد فتسللت أو مرت من جانب أحد الحراس وبالطبع لم يشعر بوجودها أحد وتعجبت مما تراه عيناها فهي داخل مدينة عظيمة تحمل الطابع الفرعوني حتى وصلت إلى قصر الحاكم (تحتمس الأول ) فقد كان قصراً مهيباً عظيماً ملئ بكل أنواع البذخ والرخاء ويعج بالعديد من الخدم من جميع الجنسيات ويعمل الجميع في صمت دون اعتراض فبات القصر كخلية النحل . صدح من بعيد صوت أنثوي رقيق يتحدث بثقة وكبرياء لم تره من قبل مما جعلها تلتفت تجاه صاحبة الصوت لترى فتاة في مقتبل العمر لا تتعدى سنوات عمرها السابعة عشر أو أكثر بقليل خمرية اللون ذات أنف مدبب وشفاه مستديرة غليظة وعينان واسعتان بلون الشوكولا الداكنة تسير بخطوات واثقه بجانب رجل يبلغ من العمر أربعون عاماً أو أكثر قليلاً له وقاره وهيبته وفوق رأسه تاج ويحمل بيده صولجان يمتاز بقامة طويلة وجسد ممشوق وبشرة قمحية وشفاه غليظه وأنف كبير ومن خلفهما يسير العديد من الحرس من ذوي البشرة السمراء فتيقنت سارة على الفور هويتهم . اقتربت تلك الفتاة وذلك الرجل بصحبتها من سارة فسمعتها توجه له سؤال لا يحمل بين طياته أي نوع من المراوغة لكنه كان صريح : ليه يا مولاي أمرت انك تتدفن في مقبرة ملكية عادية في وادي الملوك مش هرم زى أجدادك؟ أستدار ينظر إليها بهدوء بضعة لحظات قبل أن يجاوبها بصوت أجش قوي لا يستهان بصاحبه: لأني شايف إن المجد اللي لازم يخلد يا حتشبسوت أكبر من مجرد مقبرة على شكل هرم ضخم مليان كنوز وان اللي قدمته لمصر من أعمال ستخلد على مر العصور وهتذكرها الأجيال اللي جاية بعد كدا وده لازم يكون هدفك لما تكوني ملكة مصر انك تخلدي اسمك في التاريخ وتحاربي لحد ما تحققي هدفك ده. صمتت حتشبسوت تستمع لأبيها الملك العظيم تحتمس الأول وهو ينصحها نصائح ذهبية من وجهة نظرها ويجب عدم التهاون بها لاي سبب من الأسباب تبدلت الرؤية وتغير المشهد كلياً أمام أنظار سارة فوجدته نفسها تقف وسط مراسم دفن الملك تحتمس الأول وبات الحزن ظاهر على معالم جميع الحضور وخصيصاً ابنته المدللة حتشبسوت وقفت تترقرق الدموع بعينها ولكنها تعلمت من والدها الا تظهر ضعفها بل تظهر قوتها في أصعب أيامها . دار المشهد مرة أخرى ولكن توقف داخل قاعة أحد المعابد حيث صدح صوت كبير الكهنة وهو يصرخ بغضب : لا يمكن نسمح ان حتشبسوت تكون ملكة على مصر ده ممنوع أن ست تحكمنا وكمان مش متجوزة وسنها صغير دي هتكون مهزلة لو سمحنالها تكون ملكة صدح صوت كاهن آخر قائلا بنبرة مهزوزة جعلت الكاهن الأعظم ينظر له بغضب: بس حتشبسوت مش سهله وقوية وتقدر تحكم مصر لوحدها أنت عارف أنها اتعلمت تتكلم اكتر من لغه واتعلمت الفنون وعلوم الفلك والطب وعلوم الأخلاق والسلوك الصحيح اللي يخليها ملكه قوية وناجحة خصوصاً أنها اتعلمت الفلسفة على أيد المعلم سننموت وانه أعظم معلم عرفته مصر أقترب الكاهن الأعظم منه بغضب شديد حيث جذبه من تلابيبه وهو يحدق داخل عينيه بنظرات تحمل من الغضب ما يكفي لإحراق مصر وما حولها ثم تحدث وهو يجز على أسنانه : أعتقد أن دي أسباب كفايه اننا نمنعها أنها تكون ملكة لأن مش هيكون لينا أى سلطة داخل البلاط الملكي غير اننا كهنة آمون، مش هيكون لينا كلمة داخل البلاط الملكي عشان كده لازم نمنعها بالقوة انها تكون ملكة عم الصمت القاعة بضع لحظات حتى صدح صوت كاهن آخر يتحدث بلهجة خبيثة كفحيح الأفاعي : الحل موجود وقدام عنينا توجهت أنظار الجميع الى ذلك الكاهن الهزيل قليل الكلام حيث نطق الكاهن الأعظم أيبت : وايه هو بقى الحل ده من وجهة نظرك؟ جاوبهم بنفس نبرة الهدوء : ممنوع أن ملكة تحكم مملكة عظيمة زى مصر وعشان نضمن نقاء الدم الملكي واجب عليها تتجوز أخوها تحتمس التاني وقتها مش هيكون قدامها أي فرصة أنها تحكم لأى سبب من الأسباب لأنه ببساطة مصر بقا ليها ملك ذكر شرعي تهللت أسارير الكاهن الأعظم فور سماعه ذلك الحديث وبدأ بالفعل بوضع خطة حتى يتم تزويج حتشبسوت من أخيها الملك تحتمس الثاني حتى وإن لم يكن يصلح للحكم كونه هزيل الجسد ضعيف الشخصية وهذا ما جعلهم يتمسكون به كملك فهو يسهل التحكم به عن بعد . اختلفت الرؤية أمام أعين سارة وقد تم للكهنة ما يريدون وتم تزويج الملكة العظيمة حتشبسوت لذلك الملك الضعيف هزيل الجسد فلم يكن أمامها سوى الخضوع لرغبتهم حيث مرت الأيام تليها السنين وأنجبت ابن وبنتان ولكن مات الفتى بعمر صغير ولم يتم ذكره على جدران معابدها ولكن بقيت الفتاتات (نفرو رع ) و( ميريت رع حتشبسوت ) وعلى النقيض أنجب زوجها هزيل الجسد ولده الوحيد (تحتمس الثالث) من إحدى محظياته اختلفت الرؤية مرة أخرى أمامها فتجسدت أمام عينيها اللحظات الأخيرة في حياة زوجها الملك تحتمس الثاني وهو يوصي أحد الكهنة المقربين له قائلاً: مش لازم حتشبسوت تتولى الحكم ولازم تعافروا عشان تحتمس التالت يتولى هو حكم البلاد بأي طريقة ولكن لم يتسنى لهذا الصغير فرصة الحكم فقد شاركته الملكة العظيمة الحكم ولم يمر وقت قصير حتى تمكنت من السيطرة على الحكم بمفردها وكان من أقرب معاونيها المهندس سمنوت الذي أحبها بشده وبقوه وتفنن في حمايتها بكل الطرق الممكنة مرت السنوات سريعاً وقد ازدهرت مصر في عصر أعظم ملكات مصر حتى حان وقت نحت معبدها الخاص و الذي أذهلها سمنوت بطلبه منها : مولاتى ممكن تشرفيني برحلة قصيرة لحد الجنوب ضحكت بدلال لا يخلو من الحزم والقوة بآنٍ واحد وهي تنظر له بنظرات تشع حب وشوق لا يمكن السيطرة عليه: موافقة بس ايه سبب الرحلة دي يا كبير مهندسي القصر الملكي ممكن أعرف؟ أجابها بوقار وتحفظ كعادته حتى لا يلفت الأنظار إليهما وتصبح بسبب عشقه لها ماده دسمه للأقاويل والشائعات: مفاجأه يا مولاتي وأتمنى أنها تعجبك وتنال على شرف موافقتك عليها مدت كف يدها تجاه كفه الممدود لها وهي تسبل عينيها للأسفل و صدرها يعلو ويهبط بصورة واضحة وزادت دقات قلبها كقرع الطبول عندما تلامست أصابعهما وسارا سوياً تجاه ذلك المركب الملكي الموضوع بمحاذاة الرصيف الخاص بالقصر حيث صعد سسنموت أولاً وهو يلتقط كف يدها بين راحة يده ثم عاونها بالصعود وصعد معهما اثنان من الحرس الملكي وحاوط قاربهما ما يقرب من العشر قوارب مليئة بالحرس ومر الوقت سريعاً اخيراً إلى وجهتهما وقد ذهلت مما رأته عيناها فما أمامها الآن يُعد من المُعجزات فالمكان مليء بالعمال الذين يعملون بفرح وهمة ونشاط لم تر مثله من قبل يحطمون أسفل جبل ضخم ويصنعون بداخله فجوة عميقة للغاية . التفتت تنظر إليه بنظرات تحمل من التساؤل ما يكفي مما شكل بسمة مغرية على شفتيه وهو يرى نظراتها التي تتوهج بفضول حيث جاوبها وهو يشير بكف يده اليمنى وبنبرة غليظة قوية : مولاتي ده المعبد الجنائزي الخاص بيكي هيكون أعظم معبد اتعمل على مر العصور وهيتخلد اسمك بيه في التاريخ انا اخترت المكان ده في أعظم بقعة في ارض كيميت المباركة بالقرب من محراب هاتور والربة إيزيس المباركه يا مولاتي ابتسمت بسعادة فما تراه عيناها شديد العظمة فهي لم يكن بمخيلتها أن يفعل سننموت ذلك الإبداع عندما أمرت ببناء معبد خاص بها تبدلت الرؤية سريعاً وكأن سارة تقف داخل فجوة زمنية تتغير كل لحظات كي تريها أحداث قديمة لأسلافنا وكأنها داخل حياتهم الخاصة انتهى بناء المعبد الخاص بالملكة حتشبسوت خلال خمسة عشر عاماً وقد كانت سنوات حكمها مليئة بالرخاء والاستقرار ولم تخوض خلالها أى حروب مطلقاً وكعادة البشر أنتهت سنوات عمرها بهدوء وسلام وتم دفنها بمعبدها بالدير البحري وتولى الحكم من بعدها ملك من أعظم ملوك مصر . أفاقت سارة على صوت رنين هاتفها الموضوع بجانبها حيث مدت اصابعها تلتقطه من على المنضدة الصغيرة المجاورة لفراشها وبالطبع لم يكن الاتصال سوى من صديقتها المقربة فيفيان مما جعلها تبتسم بهدوء قبل أن تجيبها أجابتها بنبرة هادئة على غير طبيعتها : السلام عليكم أتاها صوت صديقتها المقربة : وعليكم السلام يا هانم واضح انك نايمة حقك طبعاً أكيد ليدر الدفعة هتقفل كالعادة ضحكت سارة بشدة حتى التمعت الدموع بعينيها وهي تقول : ده حسد ده و لا ايه يا ست فيفي ؟ لا لا لالالالا مكنتش اتوقع منك كده أبداً صدمتيني وطعنتي قلبي بخنجر مسموم صدمت فيفيان مما تتفوه به صديقتها حيث قالت بنبرة مستنكرة ما يقال : والله انا هحسدك يعني بقى كده يا ست سارة ماشي ماشي ما تستعيذي في وشي كمان بالمرة وايه هو اللي خنجر مسموم في جمبك ده انتي قلبتي امينة رزق ليه كده يا حجة؟ صدحت ضحكة سارة عالياً وهي تتخيل شكل صديقتها المقربة وهي تتحدث فأرادت مشاكستها أكثر من ذلك فقالت: جمبي ايه يا جاهلة بقولك خنجر مسموم في قلبي بطلي جهل بقا ده شكسبير اللى قال المقولة دي في هاملت جاوبتها فيفيان بنفس النبرة المتهكمة : يا اختي بلا هاملت بلا شكسبير بتاعك ده خلينا في المفيد عشان ربنا يكرمنا في الامتحان كمان يومين تنهدت سارة بهدوء قائلة: ربنا هيكرمنا و نعدي الترم ده على خير متقلقيش كله خير أنهت الفتاتان حديثهما على وعد باللقاء قريباً حيث جذبت سارة كتابها ثم أستلقت على فراشها تقرأ كعادتها قبل أن تغط في النوم مباشرةً وتدخل مملكتها المحببة إلى قلبها والتي لم تجد لها تفسير منطقي أو علمي فتقبلت مملكتها بحب وسعادة وفرح تمت بحمد الله