ذات مساء وأنا عائدٌ من عملي الذي يوجد في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، صادفتُ في طريق عودتي أنثى تجري تجاه الطريق العام، حيث أمر على إحدى الغابات وصولًا منها إلى منزلي الذي يعد منعزلًا نوعًا ما، فأنا وزوجتي مُذ غادرنا وطننا واستقررنا في الولايات المتحدة الأمريكية ونحن نحب العزلة، ونحب الأجواء الهادئة الرقيقة ولم نجد ذلك إلا في مكان شبه مهجور حيث إن كاليفورنيا بأكملها تبدو مدينة صاخبة وتعج بالسكان، وهذا رأيي المتواضع فهناك من يعشقها ويراها كتلة من الجمال الإبداعي اللا متناهي، لكن عفوًا ليست تلك نظرتي لها. وبينما أعود كل ليلة أجد زوحتي تقيم مأدبة جميلة من الطعام عليها كل ما لذ وطاب وتنتظرني وهي ترتدي أروع الثياب وأرقّها، لكن تلك الليلة يبدو أن أحدهم قرر أن يزعج هدوءنا ويزيد من رعبة المكان الموحش الذي يوصل إلى بنايتنا، فلا أحد يمكث في الشارع قط سوانا نحن وعجوزان يبلغان من العمر أرذله، مات صغيرهم في هذا المكان وأبيا الذهاب إلى آخر بعد رحيله، اسمهما: ماكث وروز لطالما كانت علاقتنا بهما محدودة، لكن بلا شك تعارفنا، ولا نضمر لبعضنا سوى كل الحب، لكنني وبحق لم أعتد عليهما جيدًا ولم أندمج معهما كثيرًا، وطالبت زوجتي بعدم الاحتكاك بهما تجنبًا لحدوث أية مشكلات، في النهاية نحن غريبان وهما مواطنان مقيمان. وواصلتُ عملي بعد تعارفنا لأول مرة حتى مرت الأيام لتلك الليلة التي خرجت فيها أنثى أمام سيارتي، فور أن أوقفت السيارة نزولًا عند رغبتها وإشارتها لي بأن أتوقف حدث ما لم يكن في حسباني، لقد أُغمى على المرأة، أما أنا فنزلت مسرعًا من سيارتي لأعاينها وأفهم ما خطبها رغم أنني جراح عام ولست طبيبًا مختصًا لكن يمكنني على الأقل معاينة الجروح بها، لقد كانت تنزف في أجزاء عديدة في جسدها أولها جبهتها التي كانت عليها علامات شبيهة بأظافر حديدية غائرة أحدثت بها جروح عميقة من الصعب إخاطتها، ثانيها جروح على يديها، توجد على كلتي قبضتيها وكأن أحدهم قيدها بقبضةٍ من نيران، وما لبثت أن افتكت منه وذهبت، كان مصباح السيارة مضيئًا لكي أستطيع أن أرى مدى ما حدث معها وعمق الجراح التي ألمت بها، ولكن لما لم يكن الأمر كافيًا؛ حملتها إلى سيارتي وذهبت بها إلى منزلي. استقبلتني زوجتي وأنا أحمل المرأة بين ذراعيّ بدهشة، لطالما اعتادت على أن أعود إليها وحدي، فكيف أعود إليها هذه المرة وبين يدي أخرى، لكنها ارتابت ما إن رأت علامات ونزيف من يدي المرأة يكاد يترك أثرًا على سجادة منزلنا الصغير، قلت بلطف: - لا تسألي عن أي شيء الآن، أنا مثلك تمامًا لا أعرف شيئًا قالت بنفس اللطف: لكن من الغريبة؟ من أين أتت! رددتُ وأنا أبتلع ريقي: - لقد سقطت في طريقي كما تسقط أغصان الأشجار عن سيقانها. قالت بتفهم: - إذًا دعني أساعدك لنبقيها بأمان بالداخل. بعد أن مددناها على الفراش، عدنا لباحة منزلنا ننقب عن إذا كان هناك من يتعقب المرأة وأثر خطواتي، لكن لا أثر لأحد. بقيت المرأة ممددة على الفراش ونحن نحاول أنا وزوجتي أن نعالج جراحها دون أن نوقظها، وهكذا لساعات ربما مضت ثلاث ساعات وهي على الفراش تمكث، أما عني وزوجتي فلم نهمل أي جرح أو نترك له أثرًا دون أن نطهره أو نداويه، وما إن استيقظت المرأة حتى قامت فزعة تحاول أن تدثر نفسها بالفراش، وهي في وضعية الهجوم، كانت كإحدى لبؤات الأسد ما إن تقرر أن تنقض على فريستها، وبدت أظافرها الحادة تتخذ وضعية الدفاع، قلت بهدوء: لا تجزعي ودعينا نتعرف.